تعليمه ، وشكر السلطان على عدله ، وشكر المحسن على إحسانه ، قال عليه الصلاة والسلام : «من لم يشكر النّاس لم يشكر الله» فالجواب (١) أنّ المحمود والمشكور في الحقيقة هو الله تعالى ؛ لأنّ صدور الإحسان من [قلب](٢) العبد يتوقف على حصول داعية الإحسان في قلب العبد ، وحصول تلك الدّاعية في القلب ليس من العبد ، وإلّا لافتقر في حصولها إلى داعية أخرى ، ولزم التّسلسل ، بل حصولها ليس إلّا من الله تعالى ، فتلك الدّاعية عند حصولها يجب الفعل ، وعند زوالها يمتنع الفعل فيكون المحسن في الحقيقة ليس إلّا الله تبارك وتعالى ، فيكون المستحقّ لكلّ حمد في الحقيقة هو الله تعالى (٣).
وأيضا فإنّ إحسان العبد إلى الغير لا يكمل إلّا بواسطة إحسان الله تعالى ؛ لأنّه لو لا أنّ الله ـ تعالى ـ خلق أنواع النّعم ، وإلّا لم يقدر الإنسان على إيصال تلك الحنطة والفواكه إلى الغير ، فظهر أنّه لا محسن في الحقيقة إلّا الله تعالى ، ولا مستحقّ للحمد في الحقيقة إلا الله ، فلهذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ).
فصل في بيان قوله : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) بالألف واللام
وإنّما قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) ، ولم يقل : أحمد الله ؛ لأنّ الحمد صفة القلب ، فربّما احتاج الإنسان إلى أن يذكر هذه اللّفظة حال كونه غافلا بقلبه عند استحضار معنى الحمد ، فلو قال وقت غفلته : أحمد الله [تبارك وتعالى] كان كاذبا ، واستحقّ عليه الذّنب والعقاب حيث أخبر عن وجود شيء لم يوجد ، فإذا قال : الحمد لله ، فمعناه أنّ ماهيّة الحمد مستحقّة لله عزوجل ، وهذا حقّ وصدق ، سواء كان معنى الحمد حاضرا في قلبه ، أو لم يكن ، وكان هذا الكلام عبادة شريفة وطاعة ، وظهر الفرق ، والله أعلم (٤).
__________________
ـ ٩٩ ، الإحكام في أصول الأحكام للآمدي ١ / ٨٣ ، نهاية السول للإسنوي ١ / ٢٦٣ ، منهاج العقول للبدخشي ١ / ١٥٧ ، غاية الوصول للشيخ زكريا الأنصاري ، التحصيل من المحصول للأرموي ١ / ١٨٤ ، المنخول للغزالي ١٤ ، المستصفى له ١ / ٦١ ، حاشية البناني ١ / ٦٠ ، الإبهاج لابن السبكي ١ / ١٣٩ ، الآيات البينات لابن قاسم العبادي ١ / ٩٧ ، حاشية العطار على جمع الجوامع ١ / ٨٥ ، تيسير التحرير لأمير بادشاه ٢ / ١٦٥ ، حاشية التفتازاني والشريف على مختصر المنتهى ١ / ٢١٦ ، الكوكب المنير للفتوحي ٩٨.
(١) في أ : والجواب.
(٢) سقط في ب.
(٣) ينظر : تفسير الرازي ١٢ / ١١٨ ـ ١١٩.
(٤) روي أنه تعالى أوحى إلى داود عليهالسلام يأمره بالشكر ، فقال داود : يا رب ، وكيف أشكرك ، وشكري لك لا يحصل إلّا أن توفقني لشكرك ، وذلك التوفيق نعمة زائدة وإنها توجب الشكر لي أيضا ، وذلك يجر إلى ما لا نهاية له ، ولا طاقة لي بفعل ما لا نهاية له؟ فأوحى الله تعالى إلى داود : لما عرفت عجزك عن شكري فقد شكرتني.
إذا عرفت هذا فنقول : لو قال العبد : أحمد الله كان دعوى أنه أتى بالحمد والشكر ، فيتوجه عليه ذلك ـ