قال الواحدي (١) : الاقتداء في اللغة : الإتيان بمثل فعل الأول لأجل أنه فعله و «بهداهم» متعلق ب «اقتده». وجعل الزمخشري تقديمه مفيدا للاختصاص على قاعدته.
فصل فيما يقتدى بهم فيه
هذا خطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم واختلفوا في الشيء الذي أمر النبي صلىاللهعليهوسلم بالاقتداء بهم فيه.
فقيل : المراد أن يقتدي بهم في الأمر الذي أجمعوا عليه ، وهو التوحيد والتّنزيه عن كلّ ما لا يليق بالباري سبحانه وتعالى في الذّات والصّفات والأفعال.
وقيل : المراد الاقتداء بهم في شرائعهم إلا ما خصّه الدليل على هذا ، فالآية دليل على أن شرع من قبلنا (٢) يلزمنا وقيل : المراد به إقامة الدلالة على إبطال الشّرك ، وإقامة التوحيد ؛ لأنه ختم الآية بقوله : (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [الأنعام : ٨٨] ثم أكد إصرارهم على التوحيد وإنكارهم للشرك بقوله : (فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ) ثم قال : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) أي : اقتد بهم في نفي الشرك ، وإثبات التوحيد ، وتحمّل سفاهات الجهّال.
وقال آخرون : اللفظ مطلق فيحمل على الكل إلّا ما خصّه الدّليل المنفصل.
قال القاضي (٣) يبعد حمل هذه الآية على أمر الرّسول بمتابعة الأنبياء المتقدّمين في شرائعهم لوجوه :
أحدها : أن شرائعهم مختلفة متناقضة فلا يصحّ مع تناقضها أن يكون مأمورا بالاقتداء بهم في تلك الأحكام (٤) المتناقضة.
وثانيها : أن الهدى عبارة عن الدليل دون نفس العمل ، وإذا ثبت هذا ، فنقول : دليل ثبات شرعهم كان مخصوصا بتلك الأوقات فقط ، فكيف يستدلّ بذلك على اتّباعهم في شرائعهم في كل الأوقات.
وثالثها : أن كونه ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ متّبعا لهم في شرائعهم يوجب أن يكون منصبه أقلّ من منصبهم ، وذلك باطل بالإجماع ، فثبت بهذه الوجوه أنه لا يمكن حمل الآية على وجوب الاقتداء بهم في شرائعهم.
والجواب عن الأول ، أن قوله : (فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) يتناول الكل فأما ما ذكرتم من كون بعض تلك الأحكام متناقضة بحسب شرائعهم ، فنقول : العام يجب تخصيصه في هذه الصّورة ، ويبقى فيما عداها حجّة.
__________________
(١) ينظر : الرازي ١٣ / ٥٨.
(٢) ينظر : البحر المحيط للزركشي ٦ / ٣٩ ، التمهيد للإسنوي ٤٤١ ، المنخول للغزالي ٢٣١ ، تخريج الفروع على الأصول للزنجاني ٣٦٩ ، الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ٥ / ١٤٩ ، إرشاد الفحول للشوكاني ٢٣٩.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ٥٧.
(٤) في أ : الأحوال.