فأجابوا عنه : بأنّا لا نسلّم أن «هذي» منادى ، بل [اسم] إشارة إلى المصدر ، كأنّه قال : برزت هذي البرزة.
فردّ ابن مالك هذا الجواب : بأنّه لا ينتصب اسم الإشارة مشارا به إلى المصدر إلا وهو متبوع بالمصدر.
وإذا سلّم هذا فيكون ظاهر قول الزّمخشري : «إنه منصوب على المصدر» مردودا بما ردّ به الجواب عن بيت أبي الطّيّب ، إلا أن ردّ ابن مالك ليس بصحيح ؛ لورود اسم الإشارة مشارا به إلى المصدر غير متبوع به ؛ قال الشاعر : [الطويل]
٢٣٧٩ ـ يا عمرو إنّك قد مللت صحابتي |
|
وصحابتيك إخال ذاك قليل (١) |
قال النّحويّون : «ذاك» إشارة إلى مصدر «خال» المؤكّد له ، وقد أنشده هو على ذلك.
الرابع : أنه منصوب على أنه مفعول ثان قدّم على عامله ؛ لأن «جزى» يتعدّى لاثنين ، والتّقدير : جزيناهم ذلك التّحريم ، وقال أبو البقاء (٢) ومكّي (٣) : إنّه في موضع نصب ب «جزيناهم» ولم يبيّنا على أيّ وجه انتصب : هل على المفعول الثّاني أو المصدر؟.
فصل في معنى قوله (جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ)
والمعنى : إنما خصصناهم بهذا التّحريم جزاء على بغيهم ، وهو قتلهم الأنبياء ، وأخذهم الرّبا ، وأكلهم أموال الناس بالباطل ، ونظيره قوله ـ تعالى ـ : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء : ١٦٠].
قوله : (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) معموله محذوف ، أي : لصادقون في إتمام جزائهم في الآخرة ؛ إذ هو تعريض بكذبهم حيث قالوا : نحن مقتدون في تحريم هذه الأشياء بإسرائيل ، والمعنى : الصّادقون في إخبارنا عنهم ذلك ، ولا يقدّر له معمول ، أي : من شأننا الصّدق.
قوله : (فَإِنْ كَذَّبُوكَ) [الضّمير في «كذّبوك»] الظاهر عوده على اليهود ؛ لأنّهم أقرب مذكور.
وقيل : يعود على المشركين ، لتقدّم الكلام معهم في قوله : (نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ) [الأنعام : ١٤٣] ، و (أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ) [الأنعام : ١٤٤] ، والمعنى : فإن كذّبوك في ادّعاء النّبوّة
__________________
(١) ينظر : شرح شواهد المغني ٢ / ٩٣٢ ، المقرب ١ / ١١٨ ، مغني اللبيب ٢ / ٦٤٢ ، الدر المصون ٣ / ٢١٠.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٦٤.
(٣) ينظر : المشكل : ١ / ٢٩٨.