كهذه الآية ، أو يقترن ب «قد» نحو : «ما زيد إلّا قد قام» وهنا التفات من خطابه بقوله : «خلقكم» إلى آخره إلى الغيبة بقوله : (وَما تَأْتِيهِمْ).
قوله تعالى : (فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جاءَهُمْ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ)(٥)
«الفاء» هنا للتّعقيب ، يعني : أنّ الإعراض عن الآيات أعقبه التّكذيب.
وقال الزمخشري (١) : «فقد كذّبوا» مردود على كلام محذوف ، كأنه قيل : إن كانوا معرضين عن الآيات ، فقد كذبوا بما هو أعظم آية وأكبرها.
وقال أبو حيان (٢) : ولا ضرورة تدعو إلى هذا في انتظام الكلام وقوله : «بالحق» من إقامة الظاهر مقام المضمر ، إذ الأصل : فقد كذبوا بها أي : بالآية.
فصل في بيان المراد «بالحق»
والمراد بالحقّ هاهنا القرآن.
وقيل : [محمد صلىاللهعليهوسلم وقيل :](٣) جميع الآيات.
فصل
واعلم أنّه ـ تعالى ـ رتّب أمور هؤلاء الكفّار على ثلاث مراتب :
أولها : كونهم معرضين عن التأمّل والتّفكر في الدّلائل [والبيّنات](٤).
والمرتبة الثانية : كونهم مكذّبين بها ، وهذه أزيد مما قبلها ؛ لأنّ المعرض عن الشّيء قد لا يكون مكذبا به ، بل قد يكون غفل عنه ؛ فإذا صار مكذّبا به ، فقد زاد على الإعراض.
والمرتبة الثالثة : كونهم مستهزئين بها ؛ [لأن المكذب](٥) بالشيء قد لا يبلغ تكذيبه به إلى حدّ الاستهزاء ، فإذا بلغ إلى هذا الحدّ ، فقد بلغ الغاية القصوى في الإنكار ، [ثم](٦) بيّن ـ تعالى ـ أنّ أولئك الكفّار وصلوا في هذه المراتب الثلاثة على هذا الترتيب (٧).
قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ).
«الأنباء» جمع «نبأ» ، وهو ما يعظم وقعه من الأخبار ، وفي الكلام حذف ، أي : يأتيهم مضمون الأنباء ، و «به» متعلّق بخبر «كانوا».
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٥ ، والبحر المحيط ٤ / ٧٩.
(٢) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٧٩.
(٣) سقط في أ.
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في ب.
(٧) ينظر : الرازي ١٢ / ١٣٠.