فذلك محمول على أنه [ما وقع في نسبه](١) ما كان سفاحا ، كما ورد في حديث آخر «ولدت من نكاح لا من سفاح».
وأما قوله : التغليظ مع الأب لا يليق بإبراهيم قلت : إنما أغلظ عليه لأجل إصراره على الكفر ، وإلّا فهو أول ما رفق به في المخاطبة ، كما ذكر في سورة «مريم» (يا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جاءَنِي) [الآية : ٤٣] (يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطانَ) [مريم : ٤٤] (يا أَبَتِ إِنِّي أَخافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذابٌ مِنَ الرَّحْمنِ) [مريم : ٤٥] وهذا غاية اللّطف والرّفق ، فحين أصرّ على كفره استحقّ التغليظ ، وقال : (يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ) [مريم : ٤٦].
فصل في تحرير معنى «الصنم»
والصّنم لغة : كل جثّة صوّرت من نحاس أو فضّة وعبدت متقرّبا بها إلى الله وقيل : ما اتّخذ من صفر ورمث ونحاس وحجر ونحوها فصنم ، وما اتخذ من خشب فوثن وقيل بل هما بمعنى واحد.
وقيل : الصّنم معرب من شمن ، والصّنم أيضا العبد القوي ، وهو أيضا خبيث الرائحة ، ويقال: صنم أي صور ، ويضرب به المثل في الحسن وقال : [السريع]
٢٢١١ ـ ما دمية من مرمر صوّرت |
|
أو ظبية في خمر عاطف |
أحسن منها يوم قالت لنا |
|
والدّمع من مقلتها واكف |
لأنت أحلى من لذيذ الكرى |
|
ومن أمان ناله خائف (٢) |
وقال ابن الأثير (٣) : الصّنم كلّ معبود من دون الله تعالى.
وقيل : ما كان له جسم أو صورة فهو صنم ، وما لم يكن له جسم أو صورة فهو وثن وشمن.
قوله تعالى : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ)(٧٥)
«وكذلك» في هذه الكاف ثلاثة أوجه :
أظهرها : أنها للتشبيه ، وهي في محلّ نصب نعتا لمصدر محذوف ، فقدره الزمخشري (٤) : «ومثل ذلك التعريف والتصيير نعرف إبراهيم ونبصره ملكوت».
وقدّره المهدويّ : «وكما هديناك يا محمد أرينا إبراهيم».
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) الأبيات لإبراهيم بن المدبر. ينظر : أمالي القالي ١ / ٢٩ ، الدر المصون ٣ / ١٠٤.
(٣) ينظر : النهاية ٣ / ٥٦.
(٤) ينظر : الكشاف ٢ / ٤٠.