ذلك الفتون فتنّا ليقولوا هذه المقالة ابتلاء منّا وامتحانا.
والثاني : أنها «لام» الصّيرورة أي : العاقبة كقوله : [الوافر]
٢١٨١ ـ لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
.......... (١) |
(فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا) [القصص : ٨] ، ويكون قولهم «أهؤلاء» إلى آخره صادرا على سبيل الاستخفاف.
قوله : «أهؤلاء» يجوز فيه وجهان :
أظهرهما : أنه منصوب المحلّ على الاشتغال بفعل محذوف يفسّره الفعل الظاهر ، العامل في ضميره بوساطة «على» ، ويكون المفسّر من حيث المعنى لا من حيث اللفظ ، والتقدير : أفضّل الله هؤلاء منّ عليهم ، أو اختار هؤلاء منّ عليهم ، ولا محلّ لقوله : (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ) لكونها مفسّرة ، وإنّما رجّح هنا إضمار الفعل ؛ لأنه وقع بعد أداة يغلب إيلاء الفعل لها.
والثاني : أنه مرفوع المحلّ على أنه مبتدأ ، والخبر : منّ الله عليهم ، وهذا وإن كان سالما من الإضمار الموجود في الوجه الذي قبله ، إلّا أنه مرجوح لما تقدّم ، و «عليهم» متعلّق ب «منّ».
و «من بيننا» يجوز أن يتعلّق به أيضا.
قال أبو البقاء (٢) : «أي : ميّزهم علينا ، ويجوز أن يكون حالا».
قال أبو البقاء (٣) أيضا : أي : منّ عليهم منفردين ، وهذان التفسيران تفسيرا معنى لا تفسيرا إعراب ، إلّا أنه لم يسقهما إلّا تفسيري إعراب.
والجملة من قوله : (أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ) في محلّ نصب بالقول.
وقوله : (بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) الفرق بين الباءين أن الأولى لا تعلّق لها لكونها زائدة في خبر «ليس» ، والثانية متعلّقة ب «أعلم» وتعدّي العلم بها لما ضمّن من معنى الإحاطة ، وكثيرا ما يقع ذلك في عبارة العلماء ، فيقولون : علم بكذا والعلم بكذا لما تقدّم.
فصل في تحرير معنى الفتنة في الآية
معنى هذه الفتنة أن كلّ واحد من الفريقين مبتلى بصاحبه ، فرؤساء الكفّار الأغنياء
__________________
(١) صدر بيت لأبي العتاهية وعجزه :
فكلكم يصير إلى ذهاب
ينظر : ديوانه ص (٣٣) ، وللإمام علي بن أبي طالب ينظر : الجنى الداني ص (٩٨) ، شرح التصريح ٢ / ١٢ ، والهمع ٢ / ٣٢ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٣ ، شرح الكافية ٢ / ٣٢٨ ، الدرر اللوامع ٢ / ٣١ ، وخزانة الأدب ٩ / ٥٢٩ ، والدر المصون ٣ / ٧٢.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٤.
(٣) ينظر : المصدر السابق.