المشركين إلى موضع لا حاكم ولا آمر إلا الله ، وهو قوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)(١٦٥)
فيه وجوه :
أحدها : أنّ محمدا صلىاللهعليهوسلم خاتم النّبيّين ، فخلفت أمّته سائر الأمم ، والخلائف : جمع خليفة ؛ كالوصائف جمع وصيفة ، وكلّ من جاء تبعا له ، فهو خليفة ؛ لأنه يخلفه ، أي : أهلك القرون الماضية ، وجعلكم يا محمّد صلىاللهعليهوسلم خلفاء منهم ، تخلفونهم في الأرض وتعمرونها بعدهم.
وثانيها : جعلهم يخلف بعضهم بعضا (١).
وثالثها : أنّهم خلفاء الله في أرضه ، يملكونها ويتصرّفون فيها (٢).
قوله : (وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ) : في الشّرف ، والعقل والمال ، والجاه ، والرّزق ، (لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ) ليختبركم فيما رزقكم ، يعني : يبتلي الغنيّ ، والفقير ، والشّريف ، والوضيع ، والحر ، والعبد ، ليظهر منكم ما يكون عليه الثّواب والعقاب ، ثمّ قال ـ تعالى ـ : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ) لأنّ ما هو آت فهو سريع قريب.
وقيل : هو الهلاك في الدنيا (وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
قال عطاء : سريع العقاب لأعدائه ، غفور رحيم لأوليائه رحيم بهم (٣) ، وأكد قوله : «لغفور» [باللام](٤) دلالة على سعة رحمته ، ولم يؤكد سرعة العقاب بذلك هنا ، وإن كان قد أكّد ذلك في سورة الأعراف ؛ لأنّ هناك المقام مقام تخويف وتهديد ، وبعد ذكر قصّة المعتدين في السّبت وغيره ، فناسب تأكيد العقاب هناك ، وأتى بصيغتي الغفران والرّحمة ، لا بصيغة واحدة ؛ دلالة على حلمه ، وسعة مغفرته ، ورحمته.
روى جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ عن النّبيّ صلىاللهعليهوسلم قال : من قرأ ثلاث آيات في أوّل سورة الأنعام إلى قوله : (وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ) وكل الله به أربعين ألف ملك ، يكتبون له مثل أعمالهم إلى يوم القيامة ، وينزل ملك من السّماء السّابعة ، ومعه مرزبة من حديد ، فإن أراد الشّيطان أن يوسوس أو يوحي إلى قلبه ، ضربه بها ضربا ، فكان بينه وبينه سبعون حجابا ، فإذا كان يوم القيامة يقول الرّبّ ـ سبحانه وتعالى ـ امش في ظلّي ، وكل من ثمار جنّتي ، واشرب من ماء الكوثر ، واغتسل من ماء السّلسبيل ، وأنت عبدي وأنا ربّك (٥).
__________________
(١) ينظر : الفخر الرازي ١٤ / ١٢.
(٢) ينظر : المصدر السابق.
(٣) تقدم.
(٤) سقط في ب.
(٥) ذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣ / ٥) وقال : وأخرجه السلفي بسند واه عن ابن عباس مرفوعا.