قال الزمخشري (١) : «فالتفريط : التّواني والتأخير عن الحدّ ، والإفراط مجاوزة الحدّ ، أي : لا ينقصون مما أمروا به ، ولا يزيدون».
والثاني : أنّ معناه لا يتقدّمون على أمر الله ، وهذا يحتاج إلى نقل أنّ «أفرط» بمعنى «فرّط» ، أي : تقدّم.
قال الجاحظ قريبا من هذا فإنه قال : «معنى لا يفرطون : لا يدعون أحدا يفرط عنهم ، أي : يسبقهم ويفوتهم».
وقال أبو البقاء (٢) : ويقرأ بالتخفيف ، أي : لا يزيدون على ما أمروا به ، وهو قريب مما تقدّم.
قوله : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ).
قيل (٣) : المردود : هم الملائكة يعني كما يموت ابن آدم تموت أيضا الملائكة.
وقيل : المراد : البشر يعني : أنهم بعد موتهم يردّون إلى الله تعالى. وهذه الآية تدلّ على أنّ الإنسان ليس مجرّد هذه البنية ؛ لأن صريح هذه الآية يدلّ على حصول الموت للعبد ، ويدلّ على أنه بعد الموت يردّ إلى الله ، والميّت مع كونه ميّتا لا يمكن أن يرد إلى الله ؛ لأن ذلك الرّدّ ليس بالمكان والجهة لكونه ـ تعالى ـ متعاليا عن المكان والجهة ، فوجب أن يكون ذلك الرّدّ مفسّرا بكونه منقادا لحكم الله.
وما لم يكن حيّا لم يصحّ هذا المعنى فيه.
وقد ثبت أنّ هاهنا موتا وحياة ، أما الموت فنصيب البدن ، فبقي أن تكون الحياة نصيب النّفس والروح ، فلمّا قال تعالى : (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللهِ) ثبت أنّ المردود هو النّفس والرّوح ، وثبت أن الإنسان ليس إلّا النّفس والروح ، وهو المطلوب.
فصل في عموم الآية
الآية في المؤمنين والكافرين جميعا ، وقد قال في آية أخرى (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) [محمد : ١١]. فكيف وجه الجمع؟
فقيل : المولى في تلك الآية بمعنى النّاصر ، ولا ناصر للكفّار ، والمولى هاهنا بمعنى الملك الذي يتولّى أمورهم ، والله ـ عزوجل ـ مالك الكلّ ومتولّي أمورهم.
وقيل : المراد ـ هاهنا ـ المؤمنين خاصّة يردّون إلى مولاهم ، والكفّار فيه تبع.
قوله : (مَوْلاهُمُ الْحَقِّ) صفتان لله عزوجل.
وقرأ الحسن (٤) ، والأعمش : «الحقّ» نصبا ، وفيه تأويلان :
__________________
(١) ينظر : الكشاف ٢ / ٣٢.
(٢) ينظر : الإملاء ١ / ٢٤٥.
(٣) ينظر : الرازي ١٣ / ١٥.
(٤) ينظر : الدر المصون ٣ / ٨٣ ، البحر المحيط ٤ / ١٥٣.