و (مِنْ بَعْدِهِمْ) متعلّق ب «أنشأنا».
قال أبو البقاء (١) : ولا يجوز أن يكون حالا من «قرن» ؛ لأنه ظرف زمان يعني : أنه لو تأخّر عن قرن لكان يتوهّم جواز كونه صفة له ، فلما قدّم عليه قد يوهم أن يكون حالا منه ؛ لكنه منع ذلك كونه ظرف زمان والزّمان لا يخبر به عن الحدث ولا يوصف ، وقد تقدّم أنه يصحّ ذلك بتأويل في «البقرة» عند قوله تعالى : (وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) [البقرة : ٢١] و «آخرين» صفة ل «قرن» ؛ لأنه اسم جمع ك «قوم» و «رهط» ، فلذلك اعتبر معناه ، ومن قال : إنّه الزّمان قدّر مضافا ، أي : أهل قرن آخرين ، وقد تقدّم أنّه مرجوح ، والله أعلم.
قوله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ)(٧)
قال الكلبي (٢) ومقاتل : نزلت هذه الآية في النّضر بن الحرث (٣) ، وعبد الله بن أبي أميّة ، ونوفل بن خويلد قالوا : يا محمد لن نؤمن لك حتّى تأتينا بكتاب من عند الله ، ومعه أربعة من الملائكة يشهدون معه أنّه من عند الله ، وأنّك رسوله ، فأنزل الله تعالى : (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ) مكتوبا من عنده (فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ) أي : عاينوه ومسّوه بأيديهم ، وذكر اللّمس ولم يذكر المعاينة ، لأن اللّمس أبلغ في إيقاع العلم من الرؤية ، ولأنّ السّحر يجري على المرئي ، ولا يجري على الملموس (٤).
قوله : (فِي قِرْطاسٍ) يجوز أن يتعلّق بمحذوف على أنه صفة ل «كتاب» ، سواء أريد ب «كتاب» المصدر ، أم الشيء المكتوب ، ويجوز أن يتعلّق بنفس «كتابا» ، سواء أريد به المصدر ، أم الشّيء المكتوب ، ومن مجيء الكتاب بمعنى مكتوب قوله : [الطويل]
٢١١٣ ـ .......... صحيفة |
|
أتتك من الحجّاج يتلى كتابها (٥) |
ومن النّاس من جعل «كتابا» في الآية الكريمة مصدرا ؛ لأن نفس الكتب لا توصف بالإنزال إلّا بتجوّز بعيد ، ولكنهم قد قالوا هنا ويجوز أن يتعلّق (فِي قِرْطاسٍ) ب «نزّلنا».
والقرطاس : الصّحيفة يكتب فيها تكون من رقّ وكاغد (٦) ، بكسر القاف وضمها ، والفصيح الكسر ، وقرىء (٧) بالضّم شاذّا نقله أبو البقاء (٨) ـ رحمهالله تعالى ـ.
__________________
(١) ينظر : الإملاء ١ / ٢٣٦.
(٢) في أ : القرطبي وينظر : تفسير القرطبي ٦ / ٢٥٣.
(٣) ذكره القرطبي في «تفسيره» (٦ / ٢٥٣) عن الكلبي.
(٤) ينظر : البحر المحيط ٤ / ٨٢.
(٥) تقدم.
(٦) الكاغد : القرطاس معّرب. ينظر : ترتيب القاموس ٤ / ٦٢ ، اللسان (كغد) (٣٨٩٢).
(٧) ينظر : الشواذ ص ٤٢.
(٨) ينظر : الإملاء ١ / ٣٣٦.