والخبر (فَلا خَوْفٌ) فإن كانت شرطيّة ، فالفاء جواب الشّرط ، وإن كانت موصولة فالفاء زائدة لشبه الموصول بالشرط ، وعلى الأول يكون محلّ الجملتين الجزم ، وعلى الثاني لا محلّ للأولى ومحل الثانية الرفع ، وحمل على اللفظ فأفرد في «آمن» و «أصلح» ، وعلى المعنى فجمع في (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) ، ويقوّي كونها موصولة مقابلتها بالموصول بعدها في قوله : (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا).
وقرأ (١) علقمة : «نمسّهم» : بنون مضمومة من «أمسّه كذا» «العذاب» نصبا ، والمسّ في اللغة التقاء الشيئين من غير فصل.
وقرأ الأعمش (٢) ، ويحيى بن وثاب «يفسقون» بكسر السّين ، وقد تقدّم أنها لغة ، و «ما» مصدريّة على الأظهر ، أي : بفسقهم.
فصل في رد شبهة للقاضي
قال القاضي (٣) : إنه ـ تعالى ـ علّل عذاب الكفّار ؛ لأنهم فاسقين ، فاقتضى أن يكون كل فاسق كذلك ، فيقال له : هذا معارض بما أنه خص الذين كفروا وكذّبوا بآيات الله وهذا يدل على أنه من لم يكن مكذّبا بآيات الله ألّا يلحقه هذا الوعيد أصلا ، وأيضا فإن كان هذا الوعيد معلّلا بفسقهم فلم قلتم : إن فسق من عرف الله ، وأقرّ بالتوحيد والنبوة والمعاد مساو لفسق من أنكر هذه الأشياء؟
قوله تعالى : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ)(٥٠)
هذا بقية الكلام على قوله : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) فقال الله تعالى : قل لهؤلاء الأقوام : إني بعثت مبشّرا ومنذرا وليس لي أن أتحكّم على الله.
واعلم أن القوم كانوا يقولون : إن كنت رسولا من عند الله فاطلب من الله حتى يوسّع
علينا منافع الدّنيا وخيراتها ، فقال الله تعالى : قل له م «إني لا أقول لكم عندي خزائن الله» ، فهو ـ تعالى ـ يؤتي الملك من يشاء ، ويعزّ من يشاء ، ويذلّ من يشاء ، لا بيدي.
الخزائن : جمع «خزانة» ، وهو اسم للمكان الذي يخزن فيه الشيء ، وخزن الشيء إحرازه بحيث لا تناله الأيدي (٤).
قوله : (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) في محلّ هذه الجملة وجهان :
أحدهما : النّصب عطفا على قوله : (عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) لأنه من جملة المقول ، كأنه قال : «لا أقول لكم هذا القول ، ولا هذا القول».
__________________
(١) ينظر : الدر المصون ٣ / ٦٧.
(٢) ينظر : الدر المصون ٣ / ٦٧.
(٣) ينظر : الرازي ١٢ / ١٨٩.
(٤) ينظر : الرازي ١٢ / ١٩٠.