ـ تعالى ـ : (قُلْ إِنَّنِي هَدانِي رَبِّي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) إلى قوله (رَبِّ الْعالَمِينَ) ما يدلّ على افتتاح الصّلاة بهذا الذّكر ؛ فإن الله ـ سبحانه وتعالى ـ أمر نبيّه صلىاللهعليهوسلم به ، وأنزله في كتابه ، ثم ذكر حديث عليّ ـ رضي الله عنه ـ كان إذا افتتح الصلاة قال : وجّهت وجهي للّذي فطر السّموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، إنّ صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله ربّ العالمين ، لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أوّل المسلمين (١).
قوله تعالى : (قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(١٦٤)
لما أمره ـ عليه الصّلاة والسّلام ـ بالتّوحيد المحض ، أمره أن يذكر ما يجري مجرى الدّليل على صحّة هذا التّوحيد ، وتقريره من وجهين :
الأول : أنّ أصناف المشركين أربعة ؛ لأنّ عبدة الأصنام أشركوا بالله ، وعبدة الكواكب أشركوا بالله ، والقائلون بيزدان وأهرمن أشركوا ، والقائلون بأنّ المسيح ابن الله والملائكة بنات الله أشركوا ، فهؤلاء هم فرق المشركين ، وكلّهم يعترفون بأن الله ـ سبحانه وتعالى ـ هو الخالق للكلّ ؛ لأن عبدة الأصنام معترفون بأن الله ـ تعالى ـ خالق السّموات والأرض وكلّ ما في العالم من الموجودات وهو الخالق للأصنام والأكوان بأسرها.
وأما القائلون بيزدان وأهرمن فهم أيضا معترفون بأنّ الشّيطان محدث ، وأنّ محدثه هو الله ـ تبارك وتعالى ـ.
وأمّا القائلون بالمسيح والملائكة ، فهم أيضا معترفون بأنّ الله ـ سبحانه وتعالى ـ خلق الكلّ ؛ فثبت أنّ طوائف المشركين أطبقوا على أنّ الله ـ تبارك وتعالى ـ خلق هؤلاء الشّركاء.
وإذا عرف هذا ، فالله ـ سبحانه وتعالى ـ قال لرسوله صلىاللهعليهوسلم : قل يا محمّد أغير الله أبغي ربّا ، مع أنّ هؤلاء الذين اتّخذوا ربّا غير الله ، أقرّوا بأن الله تبارك وتعالى خالق تلك (٢) الأشياء.
وهل يدخل في العقل جعل المربوب شريكا للرّبّ ، وجعل العبد شريكا للمولى (٣) ، وجعل المخلوق شريكا للخالق؟ ولمّا كان الأمر كذلك ، ثبت أنّ إتّخاذهم ربّا غير الله [قول] فاسد ، ودين(٤) باطل.
__________________
(١) أخرجه مسلم (١ / ٥٣٤ ـ ٥٣٦) كتاب صلاة المسافرين : باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه حديث (٢٠١ / ٧٧١).
(٢) ينظر : الرازي ١٤ / ١١.
(٣) في أ : للمربي.
(٤) ينظر : الرازي ١٤ / ١١.