الآخرة ، أسوأ حالا منه ، لأنه شاركه في الكفر ، وزاد عليه الاستهزاء بالإسلام وأهله ، والمخادعة لله وللمؤمنين.
[١٩٨] فإن قيل : الجهر بالسوء غير محبوب لله تعالى أصلا ؛ بل المحبوب عنده العفو والصفح والتجاوز فكيف قال : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) [النساء : ١٤٨] أي إلا جهر من ظلم.
قلنا : معناه ولا جهر من ظلم ، فإلّا بمعنى ولا ، وقد سبق نظيره وشاهده في قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) [النساء : ٩٢].
[١٩٩] فإن قيل : كيف يجوز دخول «بين» على أحد في قوله تعالى : (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) [النساء : ١٥٢] وبين تقتضي اثنين فصاعدا ، يقال فرقت بين زيد وعمرو ، وبين القوم ، ولا يقال فرقت بين زيد؟
قلنا : قد سبق هذا السؤال وجوابه في قوله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ) [البقرة : ٦٨] في آخر سورة البقرة ، أيضا.
[٢٠٠] فإن قيل : ما فائدة إعادة الكفر في الآية الثانية بقوله تعالى : (وَبِكُفْرِهِمْ) [النساء : ١٥٦] بعد قوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ) [النساء : ١٥٥] الآية.
قلنا : لأنه قد تكرر الكفر منهم فإنهم كفروا بموسى وعيسى عليهماالسلام ، ثم بمحمد عليه الصلاة والسلام ، فعطف بعض كفرهم على بعض.
[٢٠١] فإن قيل : اليهود كانوا كافرين بعيسى ابن مريم ، عليه الصلاة والسلام ، يسمونه الساحر ابن الساحرة ، والفاعل ابن الفاعلة ؛ فكيف أقرّوا أنّه رسول الله بقولهم : (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) [النساء : ١٥٧]؟
قلنا : قالوه على طريق الاستهزاء ، كما قال فرعون : إن رسولكم الذي أرسل إليكم لمجنون.
[٢٠٢] فإن قيل : كيف وصفهم بالشك بقوله : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ) [النساء : ١٥٧] ، ثم وصفهم بالظّن بقوله : (ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِ) [النساء : ١٥٧]
__________________
[١٩٨] ـ الوجه الذي اختاره المصنف ، في الجواب ، ضعيف وللمفسرين في الآية أقوال أرجح مما ذكر هنا. ولعل الأمر أشكل على الرّازي هنا من جهة كلمة السوء ، في حين أن المراد بها في الآية ذكر معايب الناس وإفشاءها ، واستثنى من ذلك ما كان ظلما في حق الغير ؛ فإن للمظلوم ذكر ما اقترفه الظالم في حقه ، في مقام التظلّم. وفسرها الفراء بحسب الجري والمصداق : بأن المراد بها أن يذكر الضيف بخل من امتنع عن استضافته إذا نزل عنده فلم يكرمه ، وهو من باب التظلّم كما تقدم.