(وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحاتِ) [النساء : ١٢٤] الآية ؛ مع أن غيرهم لا يظلم ، أيضا؟
قلنا : قوله : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) [النساء : ١٢٤] راجع إلى الفريقين عمال السوء وعمال الصالحات لسبق ذكر الفريقين.
الثاني : أن يكون من باب الإيجاز والاختصار فاكتفى بذكره عقب الجملة الأخيرة عند ذكر أحد الفريقين لدلالته على إضماره عقب ذكر الفريق الآخر ، ولا يظلم المؤمنون بنقصان أعمالهم ، ولا الكافرون بزيادة عقاب ذنوبهم.
الثالث : أن المراد بالظلم نفي نقصان ثواب الطاعات ، وهذا مخصوص بالمؤمنين ، لأن الكافرين ليس لهم على أعمالهم ثواب ينقص منه.
[١٩٤] فإن قيل : طلب الإيمان من المؤمنين تحصيل حاصل ، فكيف قال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ) [النساء : ١٣٦] الآية؟
قلنا : معناه : يا أيها الذين آمنوا بعيسى آمنوا بالله ورسوله محمد. وقيل : معناه : يا أيها الذين آمنوا يوم الميثاق آمنوا الآن. وقيل معناه : يا أيها الذين آمنوا علانية آمنوا سرّا.
[١٩٥] فإن قيل : قوله تعالى : (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) [النساء : ١٤١] لم سمّى ظفر المؤمنين فتحا ، وظفر الكافرين نصيبا؟
قلنا : تعظيما لشأن المؤمنين وتحقيرا لحظ الكافرين ؛ لأنّ ظفر المسلمين أمر عظيم ؛ لأنه متضمن نصرة دين الله وعزة أهله ؛ تفتح له أبواب السماء حتى ينزل على أولياء الله ، وظفر الكافرين ليس إلا حظا دنيئا وعرضا من متاع الدنيا يصيبونه ، وليس بمتضمن شيئا مما ذكرنا.
[١٩٦] فإن قيل : كيف قال : (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) [النساء : ١٤١] ، وقد نصر الكافرين على المؤمنين يوم أحد ، وفي غيره أيضا ، إلى يومنا هذا؟
قلنا : المراد به السبيل بالحجة والبرهان ، والمؤمنون غالبون بالحجة دائما.
[١٩٧] فإن قيل : كيف كان المنافق أشد عذابا من الكافر ؛ حتّى قال الله تعالى ، في حقهم : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) [النساء : ١٤٥] ؛ مع أنّ المنافق أحسن حالا من الكافر ، بدليل أنه معصوم الدم وغيره محكوم عليه بالكفر ، ولهذا قال الله تعالى في حقهم (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) [النساء : ١٤٣] فلم يجعلهم مؤمنين ولا كافرين؟
قلنا : المنافق وإن كان في الظّاهر أحسن حالا من الكافر ، إلّا أنه عند الله ، في