قلنا «كان» في القرآن العزيز على خمسة أوجه :
كان بمعنى الأزل والأبد ، كما في قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً) [النساء : ١٠٤].
وكان بمعنى المضيّ المنقطع ، كما في قوله تعالى : (وَكانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ) [النمل : ٤٨] ، وهو الأصل في معاني كان ، كما تقول : كان زيد صالحا أو فقيرا أو مريضا ونحو ذلك.
وكان بمعنى الحال ، كما في قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء : ١٠٣].
وكان بمعنى الاستقبال ، كما في قوله تعالى : (وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً) [الإنسان : ٧].
وكان بمعنى صار ، كما في قوله تعالى : (وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ) [ص : ٧٤] ، أي صار.
[١٨٥] فإن قيل : كيف قال : (وَتَرْجُونَ مِنَ اللهِ ما لا يَرْجُونَ) [النساء : ١٠٤] والكافرون أيضا يرجون الثواب في محاربة المؤمنين ؛ لأنهم يعتقدون أن دينهم حق ، وأنهم ينصرون دين الله ويذبون عنه ويقاتلون أعداءه ، كما يعتقد المؤمنون ، فالرجاء مشترك؟
قلنا : قيل إن الرجاء هنا بمعنى الخوف ، كما في قوله : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) [نوح : ١٣] ، وقوله تعالى : (قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللهِ) [الجاثية : ١٤]. وقول الشاعر :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها
وعلى قول من قال إنه بمعنى الأمل ، تقول : قد بشّر الله المؤمنين في القرآن ووعدهم بإظهار دينهم على الدّين كله ؛ ومثل هذه البشارة والوعد لم يوجد في سائر الكتب فافترقا.
__________________
[١٨٥] تمام البيت :
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها |
|
وخالفها في بيت نوب عوامل |
وهو لأبي ذؤيب الهذلي. يراجع ديوان الهذليين ١ / ١٤٣ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٣١١ وتفسير الطبري ١١ / ٥٦ ، ومعاني الفرّاء ١ / ٢٨٦. ويروى البيت ب «خالفها» بدل «خالفها».
وقول الشاعر : لم يرج لسعها : أي لم يخفه ولم يكترث به. وخالفها : أي جاء إلى جني عسلها حال غيابها ، أو أخذ عسلها رغما عنها. والنوب : فسّره الفرّاء بأنه ذكر النحل. وقيل : هو النحل.