وقيل : الرّجاء ما يكون مستندا إلى سبب صحيح ومقدّمات حقة ، والطمع ما يكون مستندا إلى خلاف ذلك ؛ فالرجاء للمؤمنين ، وأما الكافرون فلهم طمع لا رجاء.
[١٨٦] فإن قيل : ما فائدة قوله تعالى : (أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ) ، بعد قوله : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً) [النساء : ١١٠] ، وظلم النفس من عمل السوء ، فلم لم يقتصر على الأول ؛ مع أنّ الثاني داخل فيه؟
قلنا : «أو» بمعنى الواو ، فمعناه ويظلم نفسه بذلك السوء حيث دسّاها بالمعصية.
وقيل : المراد بعمل السوء التلبس بما دون الشرك ، وبظلم النفس الشرك.
وقيل : المراد بعمل السوء الذّنب المتعدّي ضرره إلى الغير ، وبظلم النفس الذنب المقتصر ضرره على فاعله.
[١٨٧] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ) [النساء : ١١٣] ، ظاهره نفي وجود الهم منهم بإضلاله ، والمنقول في التفاسير أنهم هموا بإضلاله ، وزادوا على الهمّ الذي هو القصد القول المضل أيضا.
يعرف ذلك من تفسير أول القصّة ، وهو قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً وَاسْتَغْفِرِ اللهَ)؟ [النساء : ١٠٥].
قلنا : قوله (لَهَمَّتْ) ليس جواب «لو لا» بل هو كلام مقدّم على لو لا ، وجوابها في التقدير مقول على طريق القسم ، وجواب لو لا محذوف تقديره : لقد همت طائفة منهم أن يضلوك ولو لا فضل الله عليك ورحمته لأضلوك.
[١٨٨] فإن قيل : النجوى فعل ومن اسم ، فكيف صح استثناء الاسم من الفعل في قوله تعالى : (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ) [النساء : ١١٤]؟
قلنا : فيه إضمار تقديره : إلا نجوى من أمر بصدقة ، فيكون استثناء الفعل من الفعل ، ونظيره قوله تعالى : (وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنْ) [البقرة : ١٧٧] تقديره : برّ من آمن بالله.
__________________
[١٨٦] دسّاها : قال الرّاغب : أي دسّسها في المعاصي ، فأبدل من إحدى السينات ياء.
[١٨٨] ـ قول المصنف في مفروض المسألة : «النجوى فعل ، الخ» هذا وجه لا ينحصر به تفسير النجوى ، إذ يحتمل أن يكون اسما بمعنى الناس الذين يتناجون وعلى الوجه الأخير يكون الاستثناء متصلا ، ويصح لأنه استثناء اسم من اسم ومنه قوله تعالى : (وَإِذْ هُمْ نَجْوى) [الإسراء : ١٧].
ـ أما جواب المصنف فهو مبني على اختيار أن النجوى بمعنى التناجي ، غير أنه غير حاصر ، إذ يمكن أن يكون هناك وجه آخر في الجواب ، وهو أن الاستثناء منقطع ، لأن من ليست من جنس التناجي ، وفي هذا الوجه نظر فتأمّل!