التفضيل على القاعدين عن الغزاة بغير عذر ، وأولئك لا فضل لهم ؛ بل هم مقصرون ومسيئون ؛ فظهر فضل الغزاة عليهم بدرجات لانتفاء الفضل لهم؟
[١٨١] فإن قيل : كيف صح قولهم : (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) [النساء : ٩٧] ، جوابا لقول الملائكة ؛ (فِيمَ كُنْتُمْ) ؛ مع أنه ليس مطابقا للسؤال ، والجواب المطابق أن يقولوا كنّا في كذا ، أو لم نكن في شيء؟
قلنا : معنى فيم كنتم التوبيخ بأنهم لم يكونوا في شيء من الدّين ؛ حيث قدروا على المهاجرة ولم يهاجروا فصار قوله : فيم كنتم؟ مجازا عن قوله لم تركتم الهجرة؟
فقالوا كنا مستضعفين ، اعتذارا عما وبخوا به تعلّلا ؛ فردت عليهم الملائكة ذلك بقولهم : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) [النساء : ٩٧] ، يعني أنكم إن كنتم عاجزين عن الهجرة إلى المدينة لبعدها عليكم كنتم قادرين على الخروج من مكّة إلى بعض البلاد القريبة منكم التي تقدرون فيها على إظهار دين الإسلام.
[١٨٢] فإن قيل : كيف قال : (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) [النساء : ١٠٠] ، أي وجب ، والعبد لا يستحق على مولاه أجرا ؛ لأنه ليس بأجير له إنما هو عبد قنّ؟
قلنا : معناه وجب من جهة أنه وعد عباده أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا ، والخلف في وعده عزوجل محال ، فالوجوب من هذه الجهة ؛ مع أن ذلك الوعد ابتداء فضل منه.
[١٨٣] فإن قيل : كيف شرط في إباحة القصر للمسافر خوف العدو بقوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ) [النساء : ١٠١] الآية ، والقصر جائز مع أمن المسافر؟
قلنا : خرج ذلك مخرج الغالب لا مخرج الشرط ، وغالب أسفار رسول الله عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم تخل من خوف العدو فصار نظير قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) [النور : ٣٣].
الثاني : أنّ الكلام قد تم عند قوله تعالى : (أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) وقوله : (إِنْ خِفْتُمْ) كلام مستأنف ، وجوابه محذوف تقديره : فاحتاطوا أو تأهبوا.
الثالث : أن المراد به القصر من شروطها وأركانها حالة اشتداد الخوف بترك الركوع والسجود والنزول عن الدّابة واستقبال القبلة ونحو ذلك ، لا من عدد الركعات ، وذلك القصر مشروط بالخوف.
[١٨٤] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء : ١٠٣] ، وكان لفظ دال على المضيّ ، والصلاة في الحال وإلى يوم القيامة أيضا على المؤمنين فرض موقت؟