ركسه وأركسه ، أي ردّه ، فيصير معناه كلّما ردّوا إلى الفتنة ردّوا فيها وهو تكرار.
قلنا : جوابه أن الفاعل مختلف فانتفى التكرار وصار المعنى : كلما دعاهم قومهم إلى الشرك ردّهم الله إليه وقلبهم بشؤم نفاقهم ، فالرد الأول بمعنى الدّعاء ، والركس بمعنى الرد والنكس.
[١٧٨] فإن قيل : كيف قال : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) [النساء : ٩٢] ؛ مع أنه ليس له أن يقتله خطأ.
قلنا : إلا بمعنى ولا ، كما في قوله تعالى : (إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ) ، وقوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [البقرة : ١٥٠].
الثاني : معناه أنه ليس له أن يقتله مع تيقن إيمانه ؛ بل له أن يقتله إذا غلب على ظنه أنه ليس بمؤمن ، وهو في صف المشركين ، وإن كان في نفس الأمر مؤمنا.
[١٧٩] فإن قيل : كيف يقال إن أهل الكبائر من المؤمنين لا يخلدون في النار والله تعالى يقول : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) [النساء : ٩٣].
قلنا : معناه متعمدا قتله بسبب إيمانه ، والذي يفعل ذلك يكون كافرا.
الثاني : أن المراد بالخلود طول المكث ، لأن الخلود إذا لم يكن بالأبدية يطلق على طول المكث ، كما يقال : خلّد السلطان فلانا في الحبس إذا أطال حبسه.
[١٨٠] فإن قيل : كيف قال : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) [النساء : ٩٥] ، ثم قال : (وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً دَرَجاتٍ مِنْهُ) [النساء : ٩٥ ، ٩٦]؟
قلنا : المراد بالأوّل التفضيل على القاعدين عن الغزاة بعذر ، فإن لهم فضلا لكونهم مع الغزاة بالهمة والعزيمة والقصد الصالح ؛ ولهذا قال : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) [النساء : ٩٥] ، يعني الجنة ، أي من المجاهدين والقاعدين بعذر. والمراد بالثاني
__________________
[١٧٨] ـ قول المصنف ، في الجواب : «قلنا : إلّا بمعنى ولا» فيه نظر ؛ ولعل الأولى جعل قوله تعالى : (إِلَّا خَطَأً) استثناء منفصلا ، لانصراف القتل عادة إلى العمد ، فيكون القتل الخطأ من غير جنسه وأجنبيا عنه. والمعنى ، حينئذ ، لكن إن قتله خطأ فالحكم فيه كذا أو فعليه كذا. وهو نحو قول سيبويه والزجاج والعكبري.
وقوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) يحتمل أن تكون ما للنهي ، ويكون المؤدّى تحريم القتل.
ويجوز أن تكون للنفي ؛ وحاصل الوجه الثاني : أنه ليس من شأن المؤمن وصفته قتل المؤمن عمدا ، وعليه ، إن قتله فليس بمؤمن. فتأمّل!
ـ أما الوجه الثاني في جواب المصنف ، ففيه غرابة بحسب صنعة الفقه ، فلاحظ!