حقّ الرّسل ، ومن آمن بغير رسول ، يكون اللّفظ باقيا على ظاهره.
[١٧٤] فإن قيل : هذه الآية تقتضي وجود فضله ورحمته المانع من اتباع أكثر الناس للشيطان مع أنّ الواقع خلافه ؛ فإن أكثر الناس كفرة ؛ يؤيده قوله صلىاللهعليهوسلم : «الإسلام في الكفر كالشّعرة البيضاء في الثّور الأسود».
قلنا : الخطاب في هذه الآية للمؤمنين لا لكلّ الناس.
[١٧٥] فإن قيل : إذا كان الخطاب خاصّا للمؤمنين فما معنى الاستثناء؟ فإنه إن كان المراد به اتباعه فيما يدعو إليه ويوسوس من المعاصي فأكثر المؤمنين متبعون له في ذلك ، ولو في العمر مرّة واحدة في بعض الكبائر ، وإن كان المراد به اتباعه في دعائه إلى الكفر فأحد من المؤمنين لم يتبعه في الكفر.
قلنا : معناه ولو لا فضل الله عليكم أيها المؤمنون ورحمته بالهداية بالرسول لاتبعتم الشيطان في الكفر وعبادة الأصنام وغير ذلك ، إلّا قليلا منكم ، كقس بن ساعدة وورقة بن نوفل ونحوهما ، فإنهم لو لا الفضل والرحمة بالرسول لما اتبعوا الشيطان ؛ لفضل ورحمة خصّهم الله تعالى بها غير إرسال الرسول ، وهو زيادة الهداية ونور البصيرة.
[١٧٦] فإن قيل : كيف قال : (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ حَدِيثاً) [النساء : ٨٧] ؛ مع أنّه لا تفاوت بين صدق وصدق في كونه صدقا ، كما في القول والعلم لا يقال هذا القول أقول ، ولا هذا العلم أعلم ، ولا هذا الصدق أصدق ؛ لأنّ الصدق عبارة عن الإخبار المطابق للواقع ؛ ومتى ثبت أنه مطابق للواقع لا يحتمل الزيادة والنقصان؟
قلنا : أصدق هنا صفة للقائل لا صفة للقول ، والقائلان يتفاوتان في الصدق في نفس الأمر وإن تساويا في قصة واحدة أخبرا بها وكان كل واحد منهما صادقا فيها. وحاصله أن هذا استفهام معناه النفي ، كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ) [آل عمران : ١٣٥] معناه لا أحد يغفرها إلّا الله ، فمعناه هنا ، لا أحد أصدق في حديثه من الله ، فيكون ترجيحا للمحدّث على المحدّث في الصدق ، لا ترجيحا لأحد الصدقين على الآخر ، ولا شك أنه لا أحد أصدق في حديث من الله ؛ لأن غيره يجوز عليه غير الصدق عقلا ، ويقع منه أيضا ولو نادرا ، والله تعالى منزه عن الأمرين جميعا.
[١٧٧] فإن قيل : قوله تعالى : (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها) [النساء : ٩١] يقال :
__________________
[١٧٥] ـ قول المصنّف هنا : «فإنهم لو لا الفضل والرحمة بالرسول لما اتبعوا الشّيطان ؛ الخ». غير مسلّم ؛ بل مشكل. فتأمّل!
[١٧٦] ـ قول المصنف : «ويقع منه أيضا ولو نادرا» على إطلاقه مشكل ؛ بل ضروري البطلان في حق الأنبياء ومن شاكلهم.