[١٧١] فإن قيل : قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) [النساء : ٨٢] ؛ السؤال فيه من وجهين :
أحدهما : أنّه يدلّ من حيث المفهوم على أنّ في القرآن اختلافا قليلا ، وإلّا لما كان للتقييد بوصف الكثرة فائدة ؛ مع أنّه لا اختلاف فيه أصلا.
الثاني : أنّه إنّما يدلّ عدم الاختلاف الكثير ، في القرآن ، على أنّه من عند الله ، أن لو كان كلّ كتاب من عند غير الله فيه اختلاف كثير ؛ وليس الواقع كذلك ؛ لأنّ المراد من الاختلاف : إمّا الكذب والتباين في نظمه ، وإما التناقض في معانيه ، أو التفاوت بين بعضه وبعضه ، من الجزالة والبلاغة والحكمة وكثرة الفائدة.
قلنا : الجواب عن السؤال الأوّل : أنّ التقييد بوصف الكثرة للمبالغة في إثبات الملازمة ، فكأنه قال : لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا فضلا عن القليل ؛ لكنه من عند الله ، فليس فيه اختلاف كثير ولا قليل ، فكيف يكون من عند غير الله؟ فهذا هو المقصود من التقييد بوصف الكثرة ، لا أنّ القرآن مشتمل على اختلاف قليل. وعن السؤال الثاني : أنّ كلّ كتاب في فنّ من العلوم إذا كان من عند غير الله يوجد فيه اختلاف ما بأحد التفاسير المذكورة لا محالة يعرف ذلك بالاستقراء ؛ والقرآن جامع لفنون من علوم شتّى ؛ فلو كان من عند غير الله لوجد فيه بالنسبة إلى كل فنّ اختلاف ما ، فيصير مجموع الاختلاف اختلافا كثيرا.
[١٧٢] فإن قيل : كيف قال : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطانَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء : ٨٣] ؛ استثنى القليل ، على تقدير انتفاء الفضل والرّحمة ؛ مع أنّه لو لا فضله بالهداية والعصمة ورحمته لاتّبع الكلّ الشيطان ، من غير استثناء؟
قلنا : الاستثناء راجع إلى ما تقدّم ؛ تقديره : أذاعوا به إلّا قليلا.
وقيل : لعلمه الذين يستنبطونه منهم إلّا قليلا.
وقيل : معناه : ولو لا فضل الله عليكم بإرسال الرّسل لاتّبعتم الشّيطان ، في الكفر والضّلال ، إلا قليلا منكم كانوا يهتدون بعقولهم إلى معرفة الله تعالى وتوحيده ، كقسّ بن ساعدة ، وورقة بن نوفل ، ونحوهما ؛ قبل بعث النبيّ عليه الصلاة والسلام.
[١٧٣] فإن قيل : على الجواب الأخير إذا كان المراد أنّ من لوازم نفي الفضل والرّحمة بالطّريق الخاص ، وهو بإرسال الرّسل ، اتباع الشيطان ، ونفي الفضل والرّحمة بالطّريق الخاص معلوم حقّ في الرّسول ؛ لأنّه لم يرسل إليه رسول ومع هذا لم يتبع الشّيطان؟
قلنا : لا نسلم أنه لم يرسل إليه رسول ، بل أرسل إليه الملك وأنّه رسول.
الثاني : التقييد في الفضل والرّحمة بتعيين الطّريق يكون في حقّ الأمّة ، أمّا في