الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] ، وقوله : (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) [آل عمران : ١٨] ، الآية. والدّليل على أنّ المراد من الآية الإخبار جملة لا تفصيلا ، أنّه لمّا علّم عباده أن يسألوه هذا المعنى أرشدهم إلى طلبه مجملا بقوله : (اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ صِراطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) [الفاتحة : ٦ ، ٧].
[١٦٨] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطانِ كانَ ضَعِيفاً) [النساء : ٧٦] وقال ، في كيد النساء : (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ) [يوسف : ٢٨] ؛ ومعلوم أن كيد الشّيطان أعظم من كيد النسوان؟
قلنا : المراد أن كيد الشيطان ضعيف في جنب نصرة الله وحفظه لأوليائه المخلصين من عباده ، كما قال الله تعالى : (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ) [الحجر : ٤٢]. وقال : حكاية عن إبليس : (إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) [الحجر : ٤٠]. والمراد بالآية الأخرى أنّ كيد النسوان عظيم بالنسبة إلى الرجال.
الثاني : القائل إنّ كيدكن عظيم هو عزيز مصر لا الله تعالى ، فلا تناقض ولا معارضة.
[١٦٩] فإن قيل : كيف عاب على المشركين والمنافقين قولهم : (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ) [النساء : ٧٨] وردّ عليهم ذلك ، بقوله : (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) [النساء : ٧٨] ؛ ثمّ قال ، بعد ذلك : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللهِ وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩] ، وأخبره بعين قولهم المردود عليهم؟
قلنا : قيل إنّ الثّاني حكاية قولهم ، أيضا ؛ وفيه إضمار ، تقديره : (فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً) [النساء : ٧٨] فيقولون : (ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ) [النساء : ٧٩] ، الآية.
وقيل معناه : ما أصابك أيها الإنسان من حسنة ، أي رخاء ونعمة ، فمن فضل الله ، وما أصابك من سيّئة ، أي قحط وشدّة ، فبشؤم فعلك ومعصيتك ، لا بشؤم محمّد ، عليه الصلاة والسلام ، كما زعم المشركون. ويؤيّده قوله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) [الشورى : ٣٠].
[١٧٠] فإن قيل : كيف قيل إنّ الشرّ والمعصية بإرادة الله ، والله تعالى يقول : (وَما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) [النساء : ٧٩].
قلنا : ليس المراد بالحسنة والسيئة الطاعة والمعصية ؛ بل القحط والرّخاء ، والنصر والهزيمة ، على ما اختلف فيه العلماء. ألا ترى أنّه قال : (ما أَصابَكَ) ، ولم يقل ما عملت من سيّئة.