الْعَذابَ) [النساء : ٥٦] ؛ أخبر أنّه يعذّب جلودهم الّتي لم تعص ، مكان الجلود العاصية ، وتعذيب البريء ظلم؟
قلنا : الجلود المجددة وإن عذبت فالألم بتعذيبها إنّما يحصل للقلوب ، وهي غير مجدّدة ؛ بل هي العاصية باعتقاد الشّرك ونحوه.
الثاني : أنّ المراد بتبديلها إعادة النضيج غير نضيج ، والجلود هي الجلود بعينها ؛ وإنّما قال غيرها باعتبار صفة النضيج وعدمه ، كما قال الله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨] ، وأراد تبديل الصفات ، لا تبديل الذات ، وكما قال الشاعر :
وما الناس بالنّاس الّذين عهدتهم |
|
وما الدّار بالدّار الّتي كنت أعهد |
[١٦٦] فإن قيل : كيف قال : (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) [النساء : ٥٧] ، وليس في الجنّة شمس ، ليكون فيها حرّ يحتاج بسببه إلى ظلّ ظليل أو غير ظليل؟
قلنا : هو مجاز عن المستقرّ المستلذ المستطاب ، جريا على المتعارف بين الناس ؛ لأنّ بلاد الحجاز شديدة الحرّ ؛ فأطيب ما عندهم موضع الظل ؛ فخاطبهم بما يعقلون ويفهمون ، كما قال عزوجل : (وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيها بُكْرَةً وَعَشِيًّا) [مريم : ٦٢] وليس في الجنّة طلوع شمس ولا غروبها ، فيكون فيها بكرة وعشيا ؛ لكن ، لما كان في عرفهم تمام نعمة الغذاء وكمال وظيفته أن يكون حاضرا مهيأ في طرفي النهار عبّر عن حضوره وتهيئته بذلك.
[١٦٧] فإن قيل : كيف قال : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء : ٦٩] ، وهذا مدح لمن يطيع الله والرّسول ، وعادة العرب في صفات المدح الترقّي من الأدنى إلى الأعلى ، وهذا عكسه لأنّه نزول من الأعلى إلى الأدنى! قلنا : هذا ليس من الباب الذي ذكرتموه ؛ بل هو كلام المقصود منه الإخبار عن كون المطيعين لله ورسوله يكونون يوم القيامة مع الأشراف والخواص. ثمّ ، كأنّ سائلا سأل ، من الأشراف والخواص ، ففصّلوا له ، زيادة في الفائدة ، بعد تمام المعنى المقصود بالذّكر ، بقوله : (فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ) [النساء : ٦٩] ؛ وأتى في تفصيلهم بذكر الأشرف فالأشرف والأخصّ فالأخص ، إذ هو الغالب في تعديد الأشراف والخواص ، كما في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
__________________
[١٦٦] ـ ما جاء به المصنف في الجواب فيه نظر ظاهر. وأقله في قوله : «لأن بلاد الحجاز شديدة الحرّ ، الخ» لأنه قد يقال ما بال من كانت بلادهم باردة ، بل شديدة البرودة؟! وكيف يستقيم جوابه والقرآن قد جاء للناس أجمعين وإن كان نزل بلغة العرب!