[١٥٦] فإن قيل : كيف قال : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) [النساء : ٢٦] والإرادة إنّما تقرن بأن يقال : يريد أن يفعل ، وقال الله تعالى : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) [النساء : ٢٨]؟
قلنا : قد ورد في الكتاب العزيز اللّام بمعنى أنّ كثيرا ؛ قال الله تعالى : (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى : ١٥]. وقال الله تعالى : (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) [الأنعام : ٧١] ، وقال تعالى ، في موضع آخر : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا) [الصف : ٨] ، فكذلك هذا.
[١٥٧] فإن قيل : كيف خصّ التّجارة بالذّكر ، في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ) [النساء : ٢٩] ؛ مع أنّ الهبة ، والصدقة ، والوصيّة ، والضّيافة ، وغيرها ، تقتضي الحلّ أيضا ، كالتجارة؟
قلنا : إنّما خصّها بالذّكر ، لأنّ معظم تصرّف الخلق في الأموال إنّما هو بالتّجارة ؛ أو لأنّ أسباب الرّزق أكثرها متعلق بها.
[١٥٨] فإن قيل : قوله تعالى : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) [النساء : ٤٢] ، قالوا : معناه أنّهم يتمنون أن يجعلوا يوم القيامة ترابا ، كما جاء في آخر سورة النبأ ؛ وظاهر اللفظ يعطي أنّهم يتمنون أن تجعل الأرض مثلهم ناسا ، كما تقول : سوّيت زيدا بعمرو ، ومعناه جعلت زيدا وهو المسوى مثل عمرو هو المسوى به.
قلنا : قولهم سويت هذا بهذا له معنيان :
أحدهما : إجراء حكم الثاني على الأوّل ، كقولك سويت زيدا بعمرو ؛ وكما تقول ساويت.
والثاني : أن يكون المسوى مفعولا والمسوى به آلة ، كقولك : سويت القلم بسكين ، والثوب بالمقراض ؛ بمعنى أصلحته به. قلنا : فقوله : (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) [النساء : ٤٢] يحتمل وجهين : أن يكون بمعنى ساويت ويكون من المقلوب ، أي لو يسوون بالأرض بجعلهم ترابا ، كقوله تعالى : (لَتَنُوأُ) [القصص : ٧٦] قوله : (وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ) [المائدة : ٦] ؛ في قول من لم يجعل الباء زائدة ، كقولهم : أدخلت الخاتم في إصبعي ونحوه ، وأن يكون بمعنى الآلة. معناه : ودّوا لو تمهّد بهم الأرض وتوطّد ، بأن يجعلوا ترابا ، ويبثوا في وهادها وحضيضها ، لتساوي بقاعها وآكامها ، وقوله تعالى : (لا تَرى فِيها عِوَجاً وَلا أَمْتاً) [طه : ١٠٧] ، انخفاضا ولا ارتفاعا ، وإن كان يدلّ على أنّ الأرض يوم القيامة متساوية السطوح ، فجعلها متساوية السطوح إن كان قبل البعث ، فإذا بعث الموتى من قبورهم خلت منهم قبورهم وحفرهم فحصل في الأرض تفاوت ، وإن كان بعد البعث فيجوز أن يكون هذا التّمني سابقا على جعلها متساوية السطوح.
[١٥٩] فإن قيل : قولنا هذا خير من ذلك يقتضي أن يكون في كلّ واحد منهما