طينا ، وتارة تستعمل للماضي المستمر المتّصل للحال ، كقول أبي جندب الهذلي :
وكنت إذا جاري دعا لمضوفة |
|
أشمّر حتّى ينصف الساق مئزري |
أي وإنّي الآن ، لأنّه إنّما يتمدح بصفة ثابتة له في الحال ، لا بصفة زائلة ذاهبة.
والمضوفة بالفاء : الأمر الّذي يشفق منه ، والقاف تصحيف. ومنه قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً) [الأحزاب : ٤٠ ، ٢٧]. وما أشبه ذلك.
وما نحن فيه من هذا القبيل ؛ وسيأتي الكلام في كان ، بعد هذا ، إن شاء الله ، في قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) [النساء ؛ ١٠٣].
[١٥٢] فإن قيل : كيف قال : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) [النساء : ٢٣] ؛ قيّد التّحريم بكون الرّبيبة في حجر زوج أمّها ، والحرمة ثابتة مطلقا ، وإن لم تكن في حجره؟
قلنا : أخرج ذلك مخرج العادة ، والغالب لا مخرج الشّرط والقيد ؛ ولهذا اكتفى في موضع الإحلال بنفي الدّخول ، في قوله تعالى : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٣] ، فتأمل.
[١٥٣] فإن قيل : لمّا قال : (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) [النساء : ٢٣] ، ثم قال في آخر الآية : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) [النساء : ٢٤] ، علم من مجموع ذلك أنّ الرّبيبة لا تحرم إذا لم يدخل بأمّها ؛ فما فائدة قوله : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٢٣].
قلنا : فائدته أن لا يتوهّم أن قيد الدّخول خرج مخرج العادة والغالب لا مخرج الشّرط كما في الحجر.
[١٥٤] فإن قيل : كيف قال ، في نكاح الإماء : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) [النساء : ٢٣] ؛ والمهر ملك المولى ؛ وإنّما يجب تسليمه إلى المولى لا إلى الأمة؟
قلنا : لمّا كانت الأمة وما في يدها ملك المولى ، كان أداؤه إليها كأدائه إلى المولى.
الثاني : أنّ معناه : وآتوا مواليهنّ أجورهنّ ، بطريق حذف المضاف.
[١٥٥] فإن قيل : كيف قال : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) [النساء : ٢٥] ؛ وجوزا نكاح الأمة ثابت من غير خوف العنت عند بعض العلماء؟
قلنا : فيه إضمار ، تقديره : ذلك أصوب وأصلح لمن خشى العنت منكم. فيكون شرطا لما هو الأرشد والأصلح ، كما في قوله تعالى : (فَكاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً) [النور : ٣٣].