سلطان الموت ، كذا قاله ابن عباس ، رضي الله عنهما ، بقرينة قوله : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) [النساء : ١٨].
[١٤٨] فإن قيل : كيف قال : (وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً) [النساء : ٢٠] الآية ؛ مع أنّ حرمة الأخذ ثابتة ، وإن لم يكن قد أعطاها المهر ؛ بل كان في ذمّته ، أو في يده؟
قلنا : المراد بالإيتاء الضّمان والالتزام ، كما في قوله تعالى : (إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ) [البقرة : ٢٣٣] أي ما غنمتم والتزمتم.
[١٤٩] فإن قيل : كيف قال : (أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً) [النساء : ٢٠] ، وأخذ مهر المرأة ظلم وليس ببهتان ؛ لأنّ البهتان الكذب؟
قلنا : ابن عباس وابن قتيبة قالا : المراد بالبهتان الظّلم. وقال الزّجّاج : المراد به الباطل. والمشهور في كتب اللّغة أنّ البهتان أن يقول الإنسان على غيره ما لم يفعله.
قالوا : فالمراد به أنّ الرّجل ربما رمى امرأته بتهمة ليتوصّل بذلك إلى أن يأخذ منها مهرها ويفارقها. وقيل : المراد به إنكاره أن لها مهرا في ذمّته.
[١٥٠] فإن قيل : كيف قال : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ، وَلا تَنْكِحُوا) [النساء : ٢٢] ؛ نهى عن الفعل المستقبل ، وإلّا ما قد سلف ماض ، فكيف يصحّ استثناء الماضي من المستقبل؟
قلنا : قيل إنّ إلّا ، هنا بمعنى بعد ، كما في قوله : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) [الدخان : ٥٦]. وقيل : هو استثناء من محذوف تقديره : فإنّكم تعذّبون به ، إلّا ما قد سلف. وقيل : فيه تقديم وتأخير ، تقديره : إنّه كان فاحشة إلّا ما قد سلف.
[١٥١] فإن قيل : كيف قال : (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً) [النساء : ٢٢] بلفظ الماضي ، مع أنّ نكاح منكوحة الأب فاحشة في الحال وفي الاستقبال إلى يوم القيامة.
قلنا : كان تارة تستعمل للماضي المنقطع كقوله : كان زيد غنيّا ، وكان الخزف
__________________
[١٤٩] ابن قتيبة : هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري. ولد سنة ٢١٣ ه واختلف في تاريخ وفاته ، فقيل : كانت في ٢٧٠ ه ، وقيل : ٢٧١ ه. وقيل : ٢٧٦ ه. وهو نحوي لغوي. روى عن إسحاق بن راهويه وأبي حاتم السجستاني وأبي إسحاق إبراهيم بن سفيان بن سليمان (يرجع نسبه إلى زياد بن أبيه). من مؤلفاته : المعارف ، أدب الكاتب ، غريب القرآن الكريم ، غريب الحديث ، عيون الأخبار ، إصلاح الغلط ، مشكل القرآن ، كتاب القراءات وغيرها.
[١٥١] البيت في ديوان الهذليين ٣ / ٩٢.