[١٠٧٢] فإن قيل : كيف ذكر سبحانه هؤلاء المذكورين بكونهم شهداء ومنهم من لم يقتل؟
قلنا : معناه أن لهم أجر الشهداء.
الثاني : أنه جمع شهيد بمعنى شاهد ، فمعناه أنهم شاهدون عند ربهم على أنفسهم بالإيمان.
الثالث : أنه مبتدأ منقطع عما قبله لا معطوف عليه ؛ معناه : والشّهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم.
[١٠٧٣] فإن قيل : كيف قال تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) [الحديد : ٢١] والمسابقة من المفاعلة التي لا تكون إلا بين اثنين كقولك : سابق زيد عمرا؟
قلنا : قيل معناه سارعوا مسارعة المسابقين لأقرانهم في الميدان ، ويؤيد هذا القول مجيئه بلفظ المسارعة في سورة آل عمران. وقيل : سابقوا ملك الموت قبل أن يقطعكم بالموت عن الأعمال التي توصلكم إلى الجنة. وقيل : سابقوا إبليس قبل أن يصدكم بغروره وخداعه عن ذلك.
[١٠٧٤] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الحديد : ٢١] وقال تعالى ، في سورة آل عمران : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [النساء : ١٣٣] فكيف يكون عرضها كعرض السماء الواحدة وكعرض السموات السبع؟
قلنا : المراد بالسماء جنس السموات لا سماء واحدة ، كما أن المراد بالأرض في الآيتين جنس الأرضين ، فصار التشبيه في الآيتين بعرض السموات السبع والأرضين السبع.
[١٠٧٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) [الحديد : ٢٣] ولا أحد يملك نفسه عند مضرة تناله أن لا يحزن ، ولا عند منفعة تناله أن لا يفرح ، وليرجع كل واحد منا في ذلك إلى نفسه؟
قلنا : ليس المراد بذلك الحزن والفرح الذي لا ينفك عنه الإنسان بطبعه قسرا وقهرا ؛ بل المراد به الحزن المخرج لصاحبه إلى الذهول عن الصبر والتسليم لأمر الله تعالى ورجاء ثواب الصابرين ، والفرح المطغي الملهي عن الشكر ، نعوذ بالله منهما.
[١٠٧٦] فإن قيل : كيف قال تعالى : (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ) [الحديد : ٢٥] ، والميزان لم ينزل من السماء؟
قلنا : قيل المراد بالميزان هنا العدل. وقيل العقل : وقيل السلسلة التي أنزلها الله تعالى على داود عليهالسلام. وقيل : هو الميزان المعروف أنزله جبريل فدفعه إلى نوح عليهالسلام وقال له : مر قومك يزنوا به.