الثاني : أنه تخصيص على التصديق بالبعث بعد الموت بالاستدلال بالخلق الأول ، فكأنه قال تعالى : هو الذي خلقكم أوّلا باعترافكم ، فلا يمتنع عليه أن يعيدكم ثانيا ، فهلا تصدقون بذلك.
[١٠٦٥] فإن قيل : كيف قال تعالى ، في الزرع : (لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً) [الواقعة : ٦٥] باللام وقال تعالى في الماء : (لَوْ نَشاءُ جَعَلْناهُ أُجاجاً) [الواقعة : ٧٠] بغير لام؟
قلنا : الأصل أن تذكر اللام في الموضعين ، إذ لا بد منها في جواب «لو» إلا أنها حذفت في الثاني اختصارا ، وهي مؤدية لدلالة الأولى عليها.
الثاني : أن أصل هذه اللام للتأكيد ، فذكرت مع المطعوم دون المشروب ، لأنّ المطعوم مقدم وجودا ورتبة ، لأنه إنما لا يحتاج إلى الماء تبعا له ، ولهذا قدمت آية المطعوم على آية المشروب ، فلما كان الوعيد بفقد المطعوم أشد وأصعب أكد تلك الجملة مبالغة ، في التهديد.
[١٠٦٦] فإن قيل : التسبيح التنزيه عن السوء ، فما معنى باسم في قوله تعالى : (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) [الواقعة : ٧٤] وهلّا قال تعالى فسبح ربك العظيم؟
قلنا : فيه وجوه :
أحدها : أن الباء زائدة والاسم بمعنى الذّات ، فصار المعنى ما قلتم.
الثاني : أن الاسم بمعنى الذكر ، فمعناه فسبح بذكر ربك.
الثالث : أن الذكر فيه مضمر ، فمعناه فأحدث التسبيح بذكر اسم ربك.
الرابع : قال الضحّاك : معناه فصلّ باسم ربك ، أي افتتح الصلاة بالتكبير.
[١٠٦٧] فإن قيل : إذا كان القرآن صفة من صفات الله تعالى قديمة قائمة بذاته المقدسة ، فكيف قال تعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ) [الواقعة : ٧٧ ، ٧٨] أي اللوح المحفوظ أو المصحف على اختلاف القولين؟
قلنا : معناه مكتوب في كتاب مكنون ، ولا يلزم من كتابة القرآن في الكتاب أن يكون القرآن حالا في الكتاب ، كما لو كتب إنسان على كفه ألف دينار لا يلزم منه وجود ألف دينار في كفه ، وكذا لو كتب في كفه العرش أو الكرسي ، وكذا وكذا ، قال تعالى في صفة النبيّ صلىاللهعليهوسلم : (يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [الأعراف : ١٥٧].
الثاني : أن القرآن لو كان حالا في المصحف فإما أن يكون جميعه حالا في مصحف واحد ، أو في كل مصحف ، أو في بعضه ، ولا سبيل إلى الأول ، لأن المصاحف كلها سواء في الحكم في كتابته فيها ؛ ولأن البعض ليس أولى بذلك من