بَعْدِي) [ص : ٣٥] وهذا أشبه بالحسد والبخل بنعم الله تعالى على عبيده بما لا يضر سليمان عليهالسلام؟
قلنا : قال الحسن وقتادة رحمهماالله : المراد به لا ينبغي لأحد أن يسلبه مني في حياتي كما فعله الشيطان الذي لبس خاتمه وجلس على كرسيه.
الثاني : أن الله تعالى علم أنه لا يقوم غيره من عباده بمصالح ذلك الملك ، فاقتضت حكمته تخصيصه به فألهمه أن يسأله تخصيصه به.
الثالث : أنه أراد بذلك ملكا عظيما فعبر عنه بتلك العبارة ، ولم يقصد بذلك إلا عظم الملك وسعته كما تقول لفلان : ما ليس لأحد مثله من الفضل أو من المال ، وتريد بذلك عظم فضله أو ماله ، وإن كان في الناس أمثاله.
[٩٤٦] فإن قيل : كيف قال تعالى في وصف أيوب عليهالسلام : (إِنَّا وَجَدْناهُ صابِراً) [ص : ٤٤] مع أن الصبر هو ترك الشكوى من ألم البلوى على ما قيل ، وهو قد شكا؟
قلنا : الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر ولا تسمى جزعا ، لما فيها من إظهار الخضوع والعبودية لله تعالى والافتقار إليه ، ويؤيده قول يعقوب عليهالسلام (قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى) [يوسف : ٨٦] مع قوله (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨] وقولهم : الصبر ترك الشكوى ، يعني إلى العباد.
الثاني : أنه صلىاللهعليهوسلم إنما طلب الشفاء من الله تعالى بعد ما لم يبق منه إلا قلبه ولسانه خيفة على قومه أن يفتنهم الشيطان بما كان يوسوس إليهم به ويقول إنه لو كان أيوب نبيا لما ابتلي بما هو فيه ولدعا الله تعالى بكشف ضره. وروي أنه عليه الصلاة والسلام قال في مناجاته : إلهي قد علمت أنه لم يخالف لساني قلبي ، ولم يتبع قلبي بصري ، ولم يلهني ما ملكت يميني ، ولم آكل إلّا ومعي يتيم ، ولم أبت شبعان ولا كاسيا ومعي جائع أو عريان ، فكشف الله تعالى ضره.
[٩٤٧] فإن قيل : قوله تعالى : (وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلى يَوْمِ الدِّينِ) [ص : ٧٨] يدل على أن غاية لعنة الله لإبليس يوم القيامة ثم تنقطع؟
قلنا : كيف تنقطع وقد قال تعالى : (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ) يعني يوم القيامة (أَنْ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) [الأعراف : ٤٤] وإبليس أظلم الظلمة ، ولكن مراده في الآية أن عليه اللعنة في طول مدة الدنيا ، فإذا كان يوم القيامة اقترن له باللعنة من أنواع العذاب ما تنسى عنده اللغة وكأنها انقطعت.