(إِنَّ هذا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) [ص : ٢٣] إلى آخره ، ولم يكن كما قال؟
قلنا : إنما قالا ذلك على سبيل الفرض والتصوير للمسألة ، ومثل ذلك لا يعد كذبا كما تقول في تصوير المسائل ، زيد له أربعون شاة وعمرو له أربعون وأنت تشير إليهما ، فخلطاها وحال عليها الحول ، كم يجب فيها وليس لهما شيء ، وتقول لي أربعون شاة ولك أربعون فخلطناها وما لكم شيء.
[٩٤٣] فإن قيل : كيف حكم داود عليهالسلام على المدعى عليه بكونه ظالما قبل أن يسمع كلامه؟
قلنا : لم يحكم عليه إلا بعد اعترافه كذا نقله السدّي ، إلا أنه حذف ذكر الاعتراف في القصة اختصارا لدلالة الحال عليه ، كما تقول العرب : أمرته بالتجارة فكسب الأموال ، أي فاتجر فكسب الأموال.
[٩٤٤] فإن قيل : ما معنى تكرار الحبّ في قوله عليهالسلام : (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ) [ص : ٣٢] وما معنى تعديته بعن وظاهره أحببت حبا مثل حب الخير ، كما تقول أحببت حب زيد ، أي أحببت حبا مثل حب زيد؟
قلنا : أحببت في الآية بمعنى آثرت ، كما يقول المخيّر بين شيئين : أحببت هذا ، أي آثرته ، وقد جاء استحب بمعنى آثر ، قال الله تعالى : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) أي آثروه : لأن من أحب شيئا فقد آثره على غيره ، وعن بمعنى على كما في قوله تعالى : (وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ) [محمد : ٣٨] فيصير المعنى أي آثرت حب الخير على ذكر ربّي.
الثاني : وهو اختيار الجرجاني صاحب معاني القرآن أن أحببت بمعنى قعدت وتأخرت مأخوذ من أحب الجمل إذا برك ، ومنه قول الشاعر :
دعتك إليها مقلتاها وجيدها |
|
فملت كما مال المحب على عمد |
فالمحب هنا الجمل ، والعمد علة تكون في سنام الجمل ، وكل من ترك شيئا وتجنب أن يفعله فقد قعد عنه ، فتأويل الآية : إني قعدت عن ربي لحب الخير ، فيكون انتصاب حب على أنه مفعول له.
[٩٤٥] فإن قيل : كيف قال سليمان عليهالسلام : (وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ
__________________
[٩٤٤] الجرجاني : هو عبد القاهر بن عبد الرحمن بن محمد الجرجاني ، أبو بكر ، مؤسس أصول البلاغة وأحد أئمة اللغة. أصله من جرجان ، توفي سنة ٤٧١ ه. من مؤلفاته : أسرار البلاغة ، دلائل الإعجاز ، الجمل ، التتمة ، إعجاز القرآن ، العوامل المائة ، العمدة ، الخ.
ـ البيت لم نقف على نسبته.