مسطور في كتب المشايخ وأرباب الطريق ، ولو اشتغلنا بتفصيل مفاسده وعدد شروطه عند من أباحه لخرجنا عن مقصود كتابنا هذا.
[٨٥٠] فإن قيل : كيف وقع قوله تعالى : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ) [لقمان : ١٤] الآيتين ، في أثناء وصية لقمان لابنه ، وما الجامع بينهما؟
قلنا : هي جملة وقعت معترضة على سبيل الاستطراد تأكيدا لما في وصية لقمان من النهي عن الشرك.
[٨٥١] فإن قيل : قوله تعالى : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلى وَهْنٍ وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) [لقمان : ١٤] كيف اعترض بين الوصية ومفعولها؟
قلنا : لما وصّى بالوالدين ذكر ما تكابده الأم خاصة وتعانيه من المشاق والمتاعب تخصيصا لها بتأكيد الوصية وتذكير تعظيم حقها بإفرادها بالذّكر ، ومن هنا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لمن قال له : من أبر؟ قال : «أمّك ثمّ أمّك ثمّ أمّك» ، ثم قال بعد ذلك «ثمّ أباك».
[٨٥٢] فإن قيل : كيف قال تعالى : (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان : ١٩] فجمع الأصوات وأفرد صوت الحمير.
قلنا : ليس المراد ذكر صوت كل واحد من آحاد هذا الجنس ، حتّى يجمع ، وإنما المراد أن كل جنس من الحيوان الناطق وغيره له صوت ؛ وأنكر الأصوات من هذه الأجناس صوت هذا الجنس ؛ فوجب إفراده لئلّا يظن أن الاجتماع شرط في ذلك.
[٨٥٣] فإن قيل : قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ ما فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ) [لقمان : ٢٧] يطابقه وما في الأبحر من ماء مداد فكيف عدل عنه إلى قوله : (وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ) [لقمان : ٢٧]؟
قلنا : استغنى عن ذكر المداد بقوله يمده ، لأنه من قولك مد الدواة وأمدها : أي زادها مدادا ، فجعل البحر المحيط بمنزلة الدواة ، والأبحر السبعة مملوءة مدادا تصب فيه أبدا صبا لا ينقطع ، فصار نظير ما ذكرتم ، ونظيره قوله تعالى : (قُلْ لَوْ كانَ الْبَحْرُ مِداداً لِكَلِماتِ رَبِّي) [الكهف : ١٠٩] الآية.
[٨٥٤] فإن قيل : كيف قال : (مِنْ شَجَرَةٍ) [لقمان : ٢٧] ولم يقل من شجر؟
قلنا : لأنه أراد تفصيل الشجر وتقصيها شجرة شجرة حتى لا يبقى من جنس الشجر شجرة واحدة إلا وقد بريت أقلاما.
__________________
[٨٥١] الحديث في مسند أحمد : ٥ / ٣.