عليهالسلام برسالة إلى امرأة قط ، ولهذا قالوا في قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص : ٧] أنه كان وحي إلهام ، وقيل : وحي منام ؛ فكيف قال تعالى هنا (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) [مريم : ١٧] وقال : (إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ) [مريم : ١٩]؟
قلنا : لا نسلم أن الوحي لم ينزل على امرأة قط ، فإن مقاتلا قال في قوله تعالى : (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ) [القصص : ٧] أنه كان وحيا بواسطة جبريل عليهالسلام ، وإنما المتفق عليه بين العلماء أن جبريل عليهالسلام لم ينزل بوحي الرّسالة على امرأة لا بمطلق الوحي ، وهنا لم ينزل على مريم بوحي الرسالة ؛ بل بالبشارة بالولد ، ولهذا جاء على صورة البشر (فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا) [مريم : ١٧].
[٦٥٠] فإن قيل : ما وجه قراءة الجمهور (لِأَهَبَ لَكِ) [مريم : ١٩] والواهب للولد هو الله تعالى لا جبريل عليهالسلام؟
قلنا : قال ابن الأنباري : معناه إنّما أنا رسول ربك بقوله لك أرسلت رسولي إليك لأهب لك ، فيكون حكاية عن الله تعالى لا عن قول جبريل عليهالسلام ، فيكون فعل الهبة مسندا إلى الله تعالى لا إليه.
الثاني : أن معناه لأكون سببا في هبة الولد بواسطة النفخ في الدرع ، فالإضافة إليه بواسطة السببية.
[٦٥١] فإن قيل : كيف قالت : (وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا) [مريم : ٢٠] ولم تقل بغية ؛ مع أنه وصف مؤنث؟
قلنا : قال ابن الأنباري : لما كان هذا الوصف غالبا على النساء ، وقلما تقول العرب رجل بغي ، لم يلحقوا به علامة التأنيث إجراء له مجرى حائض وعاقر. وقال الأزهري : لا يقال رجل بغيّ ، بل هو مختص بالمؤنث ، ولام الكلمة ياء يقال بغت تبغي. وهي فعول عند المبرد أصلها بغويّ قلبت الواو ياء وأدغمت وكسرت الغين اتباعا ، فهو كصبور وشكور في عدم دخول التاء. وقال ابن جني في كتابه التمام : هي فعيل ، ولو كان فعولا لقيل بغو ، كما قيل هو نهو عن المنكر. ثم قيل : هي فعيل بمعنى فاعل ، فهي كقوله تعالى : (إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) [الأعراف : ٥٦]. وقال الأخفش : هي مثل ملحفة جديد فجعلها بمعنى مفعول. وقيل : إنما لم يقل بغية مراعاة لبقية رءوس الآيات.
__________________
[٦٥١] الأزهري : هو محمد بن أحمد بن الهروي ، أبو منصور. أحد الأئمة في اللّغة والأدب. ولد في هراة بخراسان سنة ٢٨٢ ه وتوفي بها سنة ٣٧٠ ه. من مؤلفاته : تهذيب اللّغة ، غريب الألفاظ التي استعملها الفقهاء ، تفسير القرآن ، الخ.