(وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ) [هود : ١٠٩] والتوفية والإيفاء إعطاء الشيء وافيا ، أي تاما ، نقله الجوهري وغيره ، والتام لا يكون منقوصا؟
قلنا : هو من باب التأكيد.
[٤٧١] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) [هود : ١١٩] إشارة إلى ما ذا؟
قلنا : هو إشارة إلى ما عليه الفريقان من حالي الاختلاف والرحمة ، فمعناه أنه خلق أهل الاختلاف للاختلاف وأهل الرحمة للرحمة ، وقد فسره ابن عباس ، رضي الله تعالى عنهما ، فقال : خلقهم فريقين : فريقا رحمهم فلم يختلفوا ، وفريقا لم يرحمهم فاختلفوا.
وقيل : هو إشارة إلى معنى الرحمة وهو الترحم ، وعلى هذا يكون الضمير في خلقهم للذين رحمهم فلم يختلفوا.
وقيل : هو إشارة إلى الاختلاف والضمير في خلقهم للمختلفين ، واللام على الوجه الأول والثالث لام العاقبة والصيرورة لا لام كي وهي التي تسمى لام الغرض والمقصود ؛ لأن الخلق للاختلاف في الدين لا يليق بالحكمة ، ونظير هذه اللّام قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص : ٨] وقول الشاعر :
لدوا للموت وابنوا للخراب |
|
فكلّكم يصير إلى التّراب |
وقيل : إنها لام التمكين والاقتدار كما في قوله تعالى : (جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ) [يونس : ٦٧] وقوله تعالى : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها) [النحل : ٨] والتمكن والاقتدار حاصل وإن لم يسكن بعض الناس في الليل ولم يركب بعض هذه الدواب ، ومعنى التمكين والاقتدار هنا أنه سبحانه وتعالى أقدرهم على قبول حكم الاختلاف ومكنهم منه.
وقيل : اللام هنا بمعنى على ، كما في قوله تعالى : (وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ) [الصافات : ١٠٣] وقوله تعالى : (يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) [الإسراء : ١٠٧].
[٤٧٢] فإن قيل : كيف الجمع بين قوله تعالى : (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ) [هود : ١٢٠] وقوله تعالى : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) [النساء : ١٦٤]؟
قلنا : معناه وكل نبأ نقصه عليك من أنباء الرسل هو ما نثبت به فؤادك فما في موضع رفع خبر لمبتدإ محذوف ، فلا يقتضي اللفظ قص أنباء جميع الأنبياء ، فلا تناقض بين الآيتين.
__________________
[٤٧١] البيت لأبي العتاهية من ديوانه ، وقد تقدم.
] [٤٧٢] البيت في ديوان لبيد.
ـ الحديث أخرجه أحمد في مسنده : ٢ / ٢٤٨.