قلنا : التبعيض هنا على حقيقته ؛ لأن أهل القيامة ثلاثة أقسام : قسم شقي وقسم سعيد وهم أهل النار والجنة كما ذكر في هذه الآية مفصلا ، وقسم لا شقي ولا سعيد وهم أهل الأعراف.
الثاني : أن معنى الكلام : فمنهم شقي ومنهم سعيد ، وهذا يقتضي أن يكون الشقي بعض الناس والسعيد بعض الناس ، والأمر كذلك ، ولا يقتضي أن يكون الشقي والسعيد كلاهما بعض الناس ؛ بل كل واحد منهما بعض ، وكلاهما كل كما تقول من الحيوان إنسان ، ومن الحيوان غير إنسان ، وكل الحيوان إما إنسان أو غير إنسان.
[٤٦٨] فإن قيل : كيف قال تعالى : (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [هود : ١٠٧] وأراد به بيان دوام الخلود ، مع أن أهل الجنة وأهل النار مخلدون فيهما خلودا لا نهاية له ، والسموات والأرض ودوامهما منقطع لأنهما يوم القيامة ينهدمان ، قال الله تعالى : (كَلَّا إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا) [الفجر : ٢١] وقال تعالى : (إِذَا السَّماءُ انْفَطَرَتْ) [الانفطار : ١] وقال تعالى : (يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ) [الأنبياء : ١٠٤] ونظائره كثيرة مما يدل على خراب السموات والأرض؟
قلنا : للعرب في معنى الأبد ألفاظ تعبر بها عن إرادة الدوام دون التأقيت منها ، هذا ، يقولون : لا أفعل كذا ما اختلف الليل والنهار ، وما دامت السماء والأرض ، وما أطمت الإبل ، ويريدون بذلك لا أفعله أبدا مع قطع النظر عن كون المؤقت به له نهاية أولا نهاية له.
الثاني : أنه خاطبهم على معتقدهم أن السموات والأرض لا تزول ولا تتغير.
الثالث : أنه أراد به كون الفريقين في قبورهم إما منعمين أو معذبين ، كما جاء في الحديث أن «القبر إما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار». ومن كان في روضة من رياض الجنة فهو في الجنة ، ومن كان في حفرة من حفر النار فهو في النار ، فعلى هذا يكون المراد بالتأقيت بدوام السموات والأرض مدة الخلود إلى يوم القيامة.
الرابع : أن المراد بها سماوات الآخرة وأرضها ، قال الله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ) [إبراهيم : ٤٨] وتلك دائمة لا تزول ولا تفنى ، ولأنه لا بد لأهل الجنة مما يقلهم ويظلهم ، إما سماء يخلقها الله تعالى ، أو العرش ، كما جاء في الأخبار أن أهل الجنة تحت ظل العرش ، وكل ما أظلك فهو سماء ، وجاء في الأخبار أيضا في صفة الجنة أن ترابها من زعفران ، فدل أن لها أرضا ، والمراد تلك السموات وتلك الأرض.
[٤٦٩] فإن قيل : إذا كان المراد بهذا التأقيت دوام الخلود دواما لا آخر له ،