[النساء : ٨٠] وقوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ) [الفتح : ١٠].
[٤٦٤] فإن قيل : قد ذكر عملهم على مكانتهم وعمله على مكانته ، ثم أتبعه بذكر عاقبة العاملين منه ومنهم ، فكان المطابق والموافق في ظاهر الفهم أن يقول : من يأتيه عذاب يخزيه ؛ حتى ينصرف من يأتيه عذاب يخزيه إليهم ، ومن هو صادق إليه.
قلنا : القياس ما ذكرت ، ولكنهم لما كانوا يدعونه كاذبا قال : ومن هو كاذب ، يعني في زعمكم ودعواكم تجهيلا لهم.
[٤٦٥] فإن قيل : كيف قال تعالى : (إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) [هود : ١٠٢] والقرى لا تكون ظالمة ؛ لأن الظلم من صفات من يعقل أو من صفات الحيوان دون الجماد؟
قلنا : هو من الإسناد المجازي ، والمراد به أهلها ، كما قال تعالى ، في موضع آخر : (أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) [النساء : ٧٥] ؛ لكن لما أمن اللبس أسند الظلم إلى القرية لفظا كما في قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢].
[٤٦٦] فإن قيل : كيف التوفيق بين قوله تعالى : (يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [هود : ١٠٥] وقوله : (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها) [النحل : ١١١] وقوله : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) [المرسلات : ٣٥ ، ٣٦] فإن الآية الثالثة تناقض الآية الأولى بنفي الإذن ، وتناقض الآيتين جميعا بنفي النطق!
قلنا : أما التوفيق بين الآيتين الأوليين فظاهر ؛ لأن معناه تجادل عن نفسها بإذنه فتوافقت الآيتان ، وأما الآية الثالثة فإنها لا تناقض الآية الأولى بنفي الإذن ، إن قلنا إن الاستثناء من النفي ليس بإثبات ؛ لأن الآية الأولى لا تقتضي وجود الإذن حينئذ ؛ بل تقتضي نفي الكلام عند انتفاء الإذن ، فأما إن قلنا إن الاستثناء من النفي إثبات ناقضت الآية الثالثة الأولى ، ولا تناقض الآيتين بنفي النطق ؛ لأن يوم القيامة يوم طويل فيه مواقف ومواطن ؛ ففي بعضها يكفون عن الكلام فلا يؤذن لهم فيه ، وفي بعضها يؤذن لهم فيتكلمون ، وفي بعضها يختم على أفواههم وتتكلم أيديهم وتشهد أرجلهم ، وهذا جواب عام عن مثل هذه الآيات ويرد على هذا أن يقال قوله تعالى : (هذا يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ) [المرسلات : ٣٥] نفي النطق عنهم يوم القيامة ، فيقتضي انتفاءه في جميع أجزاء ذلك الزمان عملا بعموم النفي ، كما يعم النفي جميع أجزاء المكان في قولنا لا وجود لزيد في الدار ، فاندفع الجواب باختلاف المواقف والمواطن ، فيكون الجواب أن الآية الثالثة أريد بها طائفة خاصة غير الطائفتين الأوليين فلا تناقض.
[٤٦٧] فإن قيل : كيف قال تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ) [هود : ١٠٥] وكلمة من للتبعيض ، ومعلوم أن الناس كلهم إما شقي أو سعيد ، فما معنى التبعيض؟