قيل ذلك لكل رسول ، بعد إتيانه بالمعجزات الظاهرات والآيات الباهرات.
[٤٥٥] فإن قيل : هلا قال : إنّي أشهد الله وأشهدكم ، ليتناسب الجملتان.
قلنا : لأن إشهاد الله تعالى على البراءة من الشرك إشهاد صحيح مفيد تأكيد التوحيد وشد معاقده ، وأما إشهادهم فما هو إلا تهكم بهم وتهاون ودلالة على قلة المبالاة ؛ لأنهم ليسوا أهلا للشهادة ، فعدل به عن اللفظ الأول وأتى به على صورة التهكم والتهاون ، كما يقول الرجل لصاحبه إذا لاحاه : أشهد إني لأحبك ، تهكما به واستهانة له.
[٤٥٦] فإن قيل : قوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) [هود : ٥٧] ؛ جعل التولي شرطا ، والإبلاغ جزاء ، والإبلاغ كان سابقا على التولي.
قلنا : ليس الإبلاغ جزاء التولي ، بل جزاؤه محذوف تقديره : فإن تولوا لم أعاتب على تفريط في الإبلاغ أو تقصير فيه ، ودلّ على الجزاء المحذوف قوله : (لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ) [الأعراف : ٩٣].
الثاني : قال مقاتل تقديره : فإن تولوا فقل لهم قد أبلغتكم.
[٤٥٧] فإن قيل : ما فائدة تكرار التنجية في قوله تعالى : (وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) [هود : ٥٨]؟
قلنا : أراد بالتنجية الأولى تنجيتهم من عذاب الدنيا الذي نزل بقوم هود ، وهو سموم أرسلها الله تعالى عليهم فقطعتهم عضوا عضوا ، وأراد بالتنجية الثانية تنجيتهم من عذاب الآخرة الذي استحقه قوم هود بالكفر ولا عذاب أغلظ منه ولا أشد.
[٤٥٨] فإن قيل : (بُعْداً) [هود : ٦٠] معناه عند العرب الدعاء عليهم بالهلاك بعد هلاكهم.
قلنا : معناه الدلالة على أنهم مستأهلون له وحقيقون به ، ونقيضه قول الشاعر :
إخوتي لا تبعدوا أبدا |
|
وبلى والله قد بعدوا |
أراد بالدعاء لهم بنفي الهلاك ، بعد هلاكهم ، الإعلام بأنهم لم يكونوا مستأهلين له ولا حقيقين به.
[٤٥٩] فإن قيل : قوله تعالى : (وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) [هود : ٨٤] نهى عن النقص فيهما ، والنهي عن النقص أمر بالإيفاء معنى ، فما فائدة قوله تعالى بعد ذلك (وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ) [هود : ٨٥]؟
__________________
[٤٥٨] البيت لفاطمة بنت الأحجم الخزاعية. وهو في الحماسة شرح المرزوقي ٢ / ٩١٢.