ونجاهم وهو السفينة ، ويناسب هذا الوجه قوله تعالى : (وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [هود : ٤١] وهذا لأن ابن نوح عليهالسلام لما جعل الجبل عاصما من الماء رد نوح عليهالسلام ذلك ، ودله على العاصم وهو الله تعالى ، أو المكان الذي أمر الله بالالتجاء إليه وهو السفينة.
[٤٥١] فإن قيل : كيف صح أمر السماء والأرض بقوله تعالى : (وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي) [هود : ٤٤] وهما لا يعقلان ، والأمر والنهي إنما يكون لمن يعقل ويفهم الخطاب؟
قلنا : الخطاب لهما في الصورة ، والمراد به الخطاب للملائكة الموكلين بتدبيرهما.
الثاني : أن هذا أمر إيجاب لا أمر إيجاد ، وأمر الإيجاد لا يشترط فيه العقل والفهم ، لأن الأشياء كلها بالنسبة إلى أمر الإيجاد مطيعة منقادة لله تعالى ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل : ٤٠] وقوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) [فصلت : ١١] كل ذلك أمر إيجاد.
[٤٥٢] فإن قيل : كيف قال تعالى هنا (وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِ) [هود : ٤٥] بالفاء ، وقال في قصة زكريا عليه الصلاة والسلام : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا قالَ رَبِ) [مريم : ٣ ، ٤].
قلنا : أراد بالنداء هنا إرادة النداء فجاء بالفاء الدالة على السببية ، فإن إرادة النداء سبب للنداء ، فكأنه قال : وأراد نوح نداء ربه فقال كيت وكيت ، وأراد به في قصة زكريا عليه الصلاة والسلام حقيقة النداء ، فلهذا جاء بغير فاء لعدم ما يقتضي السببية.
[٤٥٣] فإن قيل : هود عليه الصلاة والسلام كان رسولا ولم يظهر معجزة : ولهذا قال له قومه (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) [هود : ٥٣] فبأي شيء لزمتهم رسالته؟
قلنا : إنما يحتاج إلى المعجزة من الرسل من يكون صاحب شريعة لتنقاد أمته لشريعته ، فإن في كل شريعة أحكاما غير معقولة فيحتاج الرسول الآتي بها إلى معجزة لتشهد بصحة صدقه ، فأما الرسول الذي لا تكون له شريعة ولا يأمر إلا بالعقليات فلا يحتاج إلى معجزة ؛ لأن الناس ينقادون إلى ما يأمرهم به لموافقته للعقل ، وهود كان كذلك.
الثاني : أنه نقل أن معجزة هود كانت الريح الصرصر فإنها كانت سخرت له.
[٤٥٤] فإن قيل : على الوجه الأول لو كان أمره لهم مقصورا على العقليات لما خالفوه وكذبوه ونسبوه إلى الجنون بقولهم : (يا هُودُ ما جِئْتَنا بِبَيِّنَةٍ) [هود : ٥٣] إلى قوله : (بِسُوءٍ) [هود : ٥٤].
قلنا : إنما صدر ذلك القول من قاصري العقول أو المعاندين المكابرين ، كما