بطلان عملهم ، فما فائدة قوله بعده (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [هود : ١٦]؟
قلنا : المراد بقوله تعالى : (وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها) [هود : ١٦] أي بطل ثواب ما صنعوا من الطاعات في الدنيا (وَبَطَلَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) [هود : ١٦] من الرياء.
[٤٤٩] فإن قيل : كيف قال نوح عليهالسلام : (وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) [هود : ٢٩] بالواو وقال هود عليهالسلام : (يا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ) [هود : ٥١] بغير الواو؟
قلنا : لأن الضمير في قولهما عليه لتبليغ الرسالة المدلول عليه بأول الكلام في القصتين ، ولكن في قصة نوح عليهالسلام وقع الفصل بين الضمير وبين ما هو عائد عليه بكلام آخر ، فجيء بواو الابتداء. وفي قصة هود عليهالسلام لم يقع بينهما فصل فلم يحتج إلى واو الابتداء ، هذا ما وقع لي فيه ، والله أعلم.
[٤٥٠] فإن قيل : قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [هود : ٤٣] لا يناسبه المستثنى في الظاهر وهو قوله : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣] لأن المرحوم معصوم ، فظاهره يقتضي لا معصوم إلا من رحم ، أي لا معصوم من الغرق بالطوفان إلا من رحمة الله بالإنجاء في السفينة؟
قلنا : عاصم هنا بمعنى معصوم ، كقوله تعالى : (مِنْ ماءٍ دافِقٍ) [الطارق : ٦] مدفوق ، وقوله تعالى : (فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ) [الحاقة : ٢١] ، أي مرضية ، وقول العرب : سر كاتم ، أي مكتوم.
الثاني : أن معناه : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ، أي إلا الرّاحم وهو الله تعالى ، وليس معناه المرحوم ، فكأنه قال : لا عاصم إلا الله.
الثالث : أن معناه : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا مكان من رحم الله من المؤمنين
__________________
[٤٥٠] قال العكبري : «قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ) فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه اسم فاعل على بابه ، فعلى هذا يكون قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ) فيه وجهان : أحدهما ، هو استثناء متصل و (مَنْ رَحِمَ) بمعنى الرّاحم ، أي لا عاصم إلّا الله ، والثاني ، أنه منقطع ، أي لكن من رحمهالله يعصم.
والوجه الثاني : أن عاصما بمعنى معصوم ، مثل (ماءٍ دافِقٍ) أي مدفوق ؛ فعلى هذا يكون الاستثناء متصلا ، أي إلّا من رحمهالله.
والثالث : أن عاصما بمعنى ذا عصمة على النسب ، مثل حائض وطالق ، والاستثناء على هذا متصل أيضا ، فأما خبر لا فلا يجوز أن يكون اليوم ، لأن ظرف الزمان لا يكون خبرا عن الجثة ؛ بل الخبر من أمر الله ، واليوم معمول من أمر ، ولا يجوز أن يكون اليوم معمول عاصم ، إذ لو كان كذلك لنوّن».
إملاء ما منّ به الرحمن ، ج ٢ ص ٣٩.