وقال أبو حنيفة ـ رضي الله عنه : لا يجوز.
واحتج الشافعي ـ رضي الله عنه ـ بأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أمر عندما قتل عاصم بن ثابت بن الأفلح وخبيب بقتل أبي سفيان في داره ب «مكة» غيلة إن قدر عليه ، وهذا في الوقت الذي كانت «مكة» فيه محرمة ، وذلك يدل أنها لا تمنع أحدا من شيء وجب عليه ، وأنها إنما تمنع من أن ينصب الحرب عليها كما ينصب على غيرها.
واحتج أبو حنيفة ـ رحمهالله ـ بهذه الآية.
والجواب عنه أن قوله : (وَأَمْناً) ليس فيه بيان أنه جعله آمنا في ماذا؟ فيمكن أن يكون آمنا من القحط ، وأن يكون آمنا من نصب الحروب ، وأن يكون آمنا من إقامة الحدود ، وليس اللفظ من باب العموم حتى يحمل على الكل ، بل حمله على الأمن من القحط والآفات أولى ؛ لأنا على هذا التفسير لا نحتاج إلى حمل لفظ الخبر على معنى الأمر ، وفي سائر الوجوه نحتاج إلى ذلك ، فكان قول الشّافعي رحمهالله أولى.
قول تعالى : (وَاتَّخِذُوا) قرأ نافع وابن عامر : «واتّخذوا» فعلا ماضيا على لفظ الخبر ، والباقون على لفظ الأمر.
فأما قراءة الخبر ففيها ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه معطوف على «جعلنا» المخفوض ب «إذ» تقديرا ، فيكون الكلام جملة واحدة.
الثاني : أنه معطوف على مجموع قوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا) فيحتاج إلى تقدير «إذ» أي : وإذ اتّخذوا ، ويكون الكلام جملتين.
الثالث : ذكره أبو البقاء أن يكون معطوفا على محذوف تقديره : فثابوا واتخذوا.
وأما قراءة الأمر ففيها أربعة أوجه :
أحدها : أنها عطف على «اذكروا» إذا قيل بأن الخطاب هنا لبني إسرائيل ، أي : اذكروا نعمتي واتخذوا.
والثاني : أنها عطف على الأمر الذي تضمنه قوله : (مَثابَةً) ، كأنه قال : ثوبوا واتخذوا ، ذكر هذين الوجهين المهدوي.
الثالث : أنه مفعول لقول محذوف ، أي : وقلنا : اتخذوا ، إن قيل بأن الخطاب لإبراهيم وذريته ، أو لمحمد عليه الصلاة والسلام وأمته.
الرابع : أن يكون مستأنفا ذكره أبو البقاء.
قوله تعالى : (مِنْ مَقامِ) في «من» ثلاثة أوجه :
أحدها : أنها تبعيضية ، وهذا هو الظاهر.
الثاني : أنها بمعنى «في».
الثالث : أنها زائدة على قول الأخفش ، وليس بشيء.