بوجوب المقدمة العلمية ـ على وجوب الإتيان بكل من الخصوصيتين. فالعلم بوجوب كل منهما لنفسه وإن كان محجوبا عنا ، إلا أن العلم بوجوبه من باب المقدمة ليس محجوبا عنا ، ولا منافاة بين عدم وجوب الشيء ظاهرا لذاته ووجوبه ظاهرا من باب المقدمة ، كما لا تنافي بين عدم الوجوب النفسي واقعا وثبوت الوجوب الغيري كذلك».
وقد أشار إلى ذلك سيدنا الأعظم قدّس سرّه أيضا في أول الكلام في الدوران بين المتباينين من حقائقه.
هذا ، ويشهد لما ذكرنا من تحقق موضوع الأصل ذاتا في أطراف العلم الإجمالي ما هو المفروغ عنه بينهم من إمكان التفكيك في الاصول بين الامور المتلازمة ، فمن توضأ أو اغتسل بمائع مردد بين البول والماء ، يستصحب الحدث وطهارة الأعضاء من الخبث مع العلم إجمالا بانتقاض إحدى الحالتين ، وهو مستلزم لعدم مانعية العلم المذكور من شمول الأصل للأطراف ذاتا ، وليس عدم جريان الأصل إلا لمحذور المخالفة العملية غير اللازم في المقام. فلاحظ.
ثم إن بعض الأعاظم قدّس سرّه مع اعترافه بتحقق موضوع الأصل في أطراف العلم الإجمالي ادعى امتناع جريان الاصول التنزيلية الإحرازية فيها ، كالاستصحاب وقاعدة الفراغ وغيرهما ، لخصوصية في مفادها.
وحاصل ما ذكره : أن الاصول المذكورة وإن لم تكن من سنخ الأمارات متضمنة للحكاية عن الواقع ، إلا أنها تتضمن التعبد بمؤداها على أنه الواقع فهي متضمنة لإحراز الواقع لا بتوسط جعل الطريق إليه ، وحينئذ يمتنع جريانها في أطراف العلم الإجمالي ، لمناقضتها معه ، إذ كيف يعقل الحكم ببقاء النجاسة مثلا في كل واحد من الإنائين مع العلم بتطهير أحدهما؟ وهو مستلزم للتناقض بين مفاد الأصل والواقع المعلوم.
وهذا بخلاف الاصول غير الإحرازية ـ كأصالة البراءة والحل والطهارة ـ