قرأت على أبي عبد الله الحنبلي بأصبهان ، عن أبي طاهر التاجر ، أنبأنا أبو القاسم ابن مندة إذنا عن أبي الحسن أحمد بن فارس بن زكريا اللغوي قال : حدثني أبو الحسين البصري قال : قال لي رجل : كنت أخدم علي بن الفرات وهو وزير فغضب عليه السلطان ونفذ بحبسه قال : وكانت عندي خمسمائة دينار ـ فقلت لامرأتي ـ وكانت ذات عقل ورزانة : إني أريد أن أحمل هذه الدنانير إلى الوزير لعله يحتاج إليها في حبسه ، قالت : ويحك إن ابن الفرات لا يحمل إليه خمسمائة دينار ، فإنه يستحقرها وصاحبها ، قال : فغضبت امرأتي وحملت الدنانير ولطفت لبواب السجن حتى أذن لي عليه ، فلما رآني تعجب وقال : فلان؟ فقلت : نعم ، أيد الله سيدنا ، قال : فما حاجتك؟ فأخرجت الصرة وقلت : هذه خمسمائة دينار لعلها تصلح أن تبر بها بوابا ، أومأ : كلا! ثم قال : خذها تكون وديعة لي عندك ، قال : فخجلت ورجعت إلى امرأتي وحدثتها ، فقالت : قد كنت أشرت عليك ألا تفعل فأبيت ، قال : ثم إن السلطان رضي عن الوزير وأفرج عنه بعد مديدة ، وعاد إلى أفضل ما كان عليه فدخلت عليه ، فلما بصرني طأطأ رأسه ولم يملأ مني عينه ، فقلت : قد جاء ما قالته لي امرأتي وكنت أغدو إليه بعد وأروح ، فلا يزداد إلا إعراضا عني حتى أنفقت تلك الدنانير وبقيت متعطلا أبيع ما في بيتي وثياب حالي ، وبكرت إلى ابن الفرات يوما على ما بي من انكسار وضعف حال ومنه ، فدعاني وقال : وردت البصرة سفني من بلاد الهند ، فانحدر إليها وفسرها وأقبض حق بيت المال ، وما كان من رسم المستثنى! فعدت إلى أهلي وقلت لها من تمام المحنة أنه كلفني سفرا وأنا لا أقدر على ما أنفقه ، قال : فناولتني حمارا لها وقرطين ، فبعت ذلك وجعلت ثمنه نفقتي وانحدرت وفسرت السفن ، وقبضت حق بيت المال ، وما كان من رسم الوزير فحملته إلى بغداد وعرفت الوزير ، فقال : سلم بيت المال واقبض الرسم المستثنى لنا وكم هو؟ قلت له : خمسة وعشرون ألف دينار ، قال : أدّها إلى منزلك!
فأخذت إلى منزلي وسهرت ليلي لحفظها على اهتمامي وطول نهاري بها ، ومضى لهذا الحديث زمان ليس بالطويل وأبلغ ذلك إليّ ، وأبان الضر في وجهي ، فدخلت إليه يوما ، فلما رآني قال : ادن مني ما لي أراك متغير اللون سيئ الحال؟ فحدثته بقصتي في إقلالي وإضافتي ، فقال : ويحك وأنت ممن ينفق في مدة يسيرة خمسة وعشرين ألف دينار ، قلت : أيد الله سيدنا الوزير من أين لي خمسة وعشرون ألف دينار؟ قال : يا جاهل! أما قلت لك احملها إلى منزلك أتراني لم أجد من أودعه مالي غيرك ، ويحك