ولا أخطاء تقوّض القيم الرفيعة والاُسس الخيّرة ، بل إنّها ذات المفاهيم الطاهرة التي تنشدها البشريّة بأسرها ..
إنّ بيكون وديكارت وهيوم غاصوا في وحل التجريبية المحض فلم يسمعوا ولم يشاهدوا ولم يلمسوا إلاّ المسموع والمشاهد والملموس المادّي ـ رغم مداراة ديكارت لقضايا اللاهوت والدين ـ فأغفلوا العشق والولاء والملأ الأعلى وزعموا أنّ الحياة تنتهي بالموتة الاُولى ..
ماذا يفسّرون يا تُرى زحف الجموع الميلونيّة كلّ سنة في مسيرة تجديد العهد والولاء مشياً على الأقدام مئات الكيلومترات إلى الإمام الحسين (عليه السلام) ، فيهم : الكهل والصغير ، المرأة والرجل ، المريض والسليم ، المثقّف والاُستاذ والعالم وابن السوق والكادح ، الفقير والغني ... كلٌّ يروم كربلاء ، بشوق وعشق تزيده السنون حرارةً وصلابة ; ماذا يريدون ، أيّ شطر يقصدون ، المكاسب والأرباح الدنيويّة مفقودة هنا ، لا جوائز ولا أيّ شيء آخر قد يخطر ببال بيكون ورفاقه ، هل من تفسير لهذه الرسالة؟ فليس رأس الحسين (عليه السلام) بأوّل أو آخر رأس مقطوع ولا سبي عياله وانتهاك حرمهم كذلك .. فلِمَ هذا الخلود النجومي والعنفوان السرمدي ، وهل أطلقتها زينب (عليها السلام) بلا وعي وحساب : «فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا» أم أنّه منهج المعرفة الأصيل ونمير القيم السليم والكيان الفكري القويم الذي يمنح البشريّة صدق الطمأنينة وسبيل النجاة وأنوار الهدى ومفاتيح الفلاح على مرّ العصور والأزمان؟!
عميت عينٌ وجنّ عقلٌ ومات قلبٌ وجفّت مشاعر لا تجعل من الحسين انموذجاً مشرقاً نحو الحرّية والصلاح ..