بعبارة اُخرى : جميع العمليّات الثبوتيّة والتصوّريّة ذات اُسّ وأصل فردي .... نعم ، إمكانيّة الفكر الجماعي والانتشار الأوسع متصوّرة في عالم الإثبات والتصديق ، عالم الممارسة والتطبيق ، لذا فالأصل في صناعة الفكر والنظريّة والمذهب والتيّار والاتّجاه ونظائرها : الفرد .. أمّا القياسات والنسب الكمّيّة والكيفيّة والمقداريّة والبيانيّات فهي خاضعة لملاكات وضوابط علميّة معيّنة تحدّد من خلالها مؤثّريّة ونفوذيّة وديمومة هذا الفكر وذاك المذهب وتلك النظريّة ..
ثانياً : إنّنا لا نتعبّد ـ ونحن نطرح رؤيتنا في «الفكر المقارن» ـ بأخذ الكيانات الفكريّة الشاخصة وحدةً واحدةً لا تتجزّأ ; إذ من الواقعيّة أن نتعامل مع كيان فكري معيّن تعاملاً تفكيكيّاً ، فالمسيحيّة ـ مثلاً ـ لم تتّفق على فهم واحد لاُصولها وثوابتها ، بل اختلفت داخل إطارها المسيحي في ضبط الاُصول والثوابت ، فأثمرت الكاثوليك والبروتستانت والارثوذكس ، فرقاً تختلف في فهم القيم والتعاليم التي نادى بها المسيح عليه السلام .... بل علينا حمل التفكيك المذكور معنا حتى إلى أورقة الكاثوليكيّة بذاتها مثلاً ، فإنّها أيضاً تفترق داخليّاً في فهم تلك القيم والتعاليم ، وهكذا البروتستانيّة والارثوذكسيّة ..
كما لا ينبغي لنا أخذ الإسلام وحدةً واحدةً لا تتفرّط ، فالسنّة يفهمون اُصول ومبادئ الإسلام على غير ما يفهمه الشيعة ، بل السنّة في أروقتها الداخليّة اختلافٌ مشهود في ذلك الفهم أنتج المذاهب الأربعة المعروفة ، وهكذا الشيعة فإنّها قد تعدّدت الرؤى داخلها إزاء معنى الدين ،