وهذا أكثر من أن أصفه لك في كلام العرب".
قال أبو سعيد : وإنما أراد سيبويه أن يبين أن الدبران والعيوق والسماك من دبر وعاق وسمك ، ولا يلزم أن يستوي لفظ الفاعل وبناؤه في كل شيئين اشتقا من لفظ واحد في معنى واحد ؛ لأن البناء الحصين مشتق من لفظ الحاء والصاد والنون ، ومعنى الحرز ، وكذلك امرأة حصان ، وفصل بين بنائهما لاختلاف موضوعيهما ، فجعل أحدهما على فعيل ، والآخر على فعال ، وكذلك الرزين والرّزان ، والدابر ، وإن كانا مأخوذين من لفظ (دبر) ، ومعنى التأخر ، لفظ الكواكب خلاف غيره ، وعلى أنه قد قيل : دبران الحمى ، وحكم العيوق والعائق والسماك والسامك يجرى على ذلك.
قال سيبويه : " وكل شيء جاء قد لزمه الألف واللام فهو بهذه المنزلة ، فإن كان عربيّا نعرفه ولا نعرف الذي اشتق منه ، فإن ذلك لأنا جهلنا ما علم غيرنا ، أو يكون الآخر لم يصل إليه علم وصل إلى الأول المسمّي" يريد أن المعنى الذي اشتق منه إمّا أن يكون نحن لا نعرفه ويعرفه غيرنا من أهل عصرنا ، وإما أن يكون علم ذلك قد درس ، ولم يقع إلى أهل عصرنا. ومما يجري مجرى الأول الثلاثاء والأربعاء فهما مشتقان من الثالث والرابع ، واختص بهذا الاشتقاق اليومان فقط ، كما اختص بالعيوق الكوكب ، وهي كلها معارف.
قال : " فإن قلت : هذان زيدان منطلقان ، وهذان عمران منطلقان ، لم يكن الكلام إلا نكرة ، وإنما تنكّر التثنية ؛ لأن الاسم العلم زيد ، فلما تثنيه بطل لفظ العلم الذي وضع لتعريف أدخلت الألف واللام فقلت : الزيدان والعمران ، وقد يجوز أن تقع التسمية بلفظ التثنية والجمع فتكون معرفة بغير الألف واللام ، وذلك لا يكون إلّا في الأماكن التي لا يفارق بعضها بعضا نحو أبانين وعرفات ، وإنما فرقوا بين أبانين وعرفات وبين زيدين وزيدين ، من قبل أنهم لم يجعلوا التثنية والجمع علما لرجلين ولا لرجال بأعيانهم ، وجعلوا الاسم الواحد علما لشيء بعينه ، كأنهم قالوا : إذا قلنا ائت : تريد هات هذا الشخص الذي تشير إليه ، ولم يقولوا : إذا قلنا : جاء زيدان فإنما نعني شخصين بأعيانهما قد عرفا قبل ذلك وأثبتا ، ولكنهم قالوا إذا قلنا : جاء زيد ابن فلان ، وزيد ابن فلان فإنما يعني هذين الجبلين بأعيانهما ، فهكذا تقول إذا أردت أن تخبر عن معرفتين.