وهذا كله مفهوم والله أعلم بالصواب.
هذا باب الحروف الخمسة التّي تعمل فيما بعدها
لعمل الفعل فيما بعده
وهي من الفعل بمنزلة عشرين من الأسماء التي بمنزلة الفعل ، ولا تتصرف تصرف الأفعال كما أن عشرين لا تتصرف تصرف الأسماء التي أخذت من الأفعال ، وشبهت بها في هذا الموضع ، فنصبت درهما ؛ لأنه ليس من نعتها ولا هي مضافة إليه ، ولم يرد أن يحمل الدرهم على ما حمل العشرون عليه ، ولكنه واحد بين به العدد ، فعملت فيه كعمل الضارب في زيد ، إذا قلت : هذا الضارب زيدا ؛ لأن زيدا ليس من صفة الضارب ولا محمولا على ما حمل عليه الضارب ، وكذلك هذه الحروف منزلتها من الأفعال ، وهي (إن ولكنّ وليت ولعل وكأن) ، وذلك قولك : إن زيدا منطلق وإنّ عمرا مسافر ، وإنّ زيدا أخوك ، وكذلك أخواتها.
وزعم الخليل أنها عملت عملين : الرفع والنصب ، حين قلت : كأن أخاك زيد ، إلا أنه ليس لك أن تقول كأن أخوك عبد الله ، تريد كأن عبد الله أخوك ، لا تتصرف تصرف الأفعال ولا يضمر فيها المرفوع كما يضمر في كأن ، فمن ثمّ فرقوا بينهما كما فرقوا بين (ليس) و (ما) فلم يجروها مجراها ، ولكن قيل هي بمنزلة الأفعال فيما بعدها وليست بالأفعال.
قال أبو سعيد : شبه سيبويه هذه الحروف في نصب ما بعدها بالأفعال في نصب مفعولاتها ، وجعل منزلتها من الفعل في الشبه منزلة عشرين في نصبها ما بعدها من ضاربين التي أخذت من الفعل وكأنها بمنزلته ؛ أعني بمنزلة الفعل. فإذا قلت : هذه عشرون درهما ، فليس درهما بنعت للعشرين فتتبعها في إعرابها ، ولا العشرون مضافة إليها فيبنون خفضا بالإضافة ، ولا هو معطوف على العشرين محمول عليها فيعمل فيها عامل العشرين ، ولكن درهما بين به العشرون فعملت فيه كعمل ضارب وضاربين ، إذا قلت هؤلاء ضاربون زيدا ، والشبه بينهما أن عشرين مقدار يقدر به ، فإذا قال : هذه عشرون درهما ، فتقديره : هذه الدراهم تقادر أو تساوي أو تماثل أو توازن عشرين ، وترد إلى اسم الفاعل وتضاف فتصير هذه الدراهم مقادرة عشرين ، وتحذف فتقام العشرون مقامها ، والعشرون تقتضي نوعا يقدر بها كما أن ضاربا يقتضي مفعولا وقع به فشبه به لذلك.