قال : ولا يجوز أن تقول : هذا لك وأباك ، لأنه لم يتقدم استفهام ولا فعل ولا حرف فيه معنى فعل ، وإنّما يجرّ هذا في ضرورة الشّعر ، لأن الذي يقول : مررت بك وزيدا لا يقول : هذا لك وزيدا ؛ لأن الفعل عامل قويّ ظهر وموضع حرف الجرّ نصب فيحمل الثّاني في النّصب على معنى الفعل كأنّه قال : لقيتك وأباك ، ولا يقال : هذا لك وأباك ، لأنّه لا فعل ههنا.
هذا باب ما ينتصب من المصادر على إضمار الفعل
غير المستعمل إظهاره
(وذلك قولك : سقيا لك ، ورعيا وخيبة لك ، ودفرا ، وجدعا ، وعقرا ، وبؤسا ، وأفّة ، وتفّة ، وبعدا ، وسحقا ، ومن ذلك أيضا قولك : تعسا ، وتبّا ، وجوعا ، ونوعا) ، وذكر سيبويه جودا وجوسا في معنى : جوعا ومعنى نوعا : عطشا ، وفي الناس من يقول : هو إتباع ، قال الشاعر :
" والأسل النّياعا" ، (١) أي : العطاشا ، ونحو قول ابن ميادة :
تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي |
|
بجارية بهرا لهم بعدها بهرا (٢) |
ومعنى بهرا : قهرا ، أي : قهروا قهرا ، وغلبوا غلبا ، كقولك : بهرني الشيء ، ومنه القمر الباهر إذا تم ضوءه وغلب ، كأنك قلت : سقاك الله سقيا ، ورعاك رعيا ، وخيبك الله خيبة ، فهذا وما أشبهه ينتصب على الفعل المضمر ، وجعلوا المصدر بدلا من اللفظ بذلك الفعل ، ومعنى قولنا : بدل من ذلك الفعل أنهم استغنوا بذكره عن إظهاره كما قالوا : الحذر الحذر أي : احذر الحذر ، ولم يذكروا احذر ، وبعض هذه المصادر لا يستعمل الفعل المأخوذ منه ، وبعض يستعمل ، فمما لم يستعمل قولهم : بهرا كأنك قلت : بهرك الله إذا دعا عليه ، وهذا
__________________
(١) قائله القطامي :
لعمر بن شهاب ما أقاموا |
|
صدور الخيل والأسل النياعا |
ملحق ديوان القطامي ٢١٤ ، أدب مكاتب ٤٧.
(٢) البيت لابن ميادة : ديوانه : ١٣٥ ؛ أساس البلاغة (بهر) ؛ الأغاني ٢ : ٢٣٧ ، الإنصاف ١ : ٢٤١ واللسان (فقد) ؛ المقاصد النحوية ١ : ٥٢٤ ؛ وبلا نسبة في شرح أبيات سيبويه ١ : ٢٦٧ ؛ وليزيد بن مفرغ في ملحق ديوانه ٢٤٣.