إنهم أرادوا بعد ما كدت أفعلها ، والعرب قد تحذف في الوقف الألف التي بعد الهاء في المؤنث وتلقي فتحة الهاء على ما قبلها.
ويروى في مثل هذا : أن بعض العرب قتل رجلا يقال له : مرقمة ، وقد سامه وآخر ، أن يبتلعا جردان الحمار في خبر طويل ، فامتنعا فقتل مرقمة ، فقال الآخر : " طاح مرقمة" :
فقال القائل : وأنت إن لم تلقمه ، يريد تلقمها ، فحذف الألف وألقى حركة الهاء على الميم ، وهذا يخرّج في مذهب البصريين على طرح النون الخفيفة ، كأنه قال :
تلقمنه ، فحذف النون وبقيت الميم مفتوحة كما قال :
اضرب عنك الهموم طارقها |
|
ضربك بالسّوط قونس الفرس (١) |
أراد : اضربن عنك الهموم ، وحذف النون.
هذا باب منه يضمرون فيه الفعل لقبح الكلام إذا حمل
آخره على أوله
(وذلك قولك : مالك وزيدا وما شأنك وعمرا).
وإنّما نصبوا عمرا لأن عمرا هو شريك الكاف في المعنى ولم يصح العطف عليه ، لأن الكاف ضمير مخفوض ، ولا يجوز عطف الظّاهر المخفوض على المكنيّ ، ولم يصلح أيضا رفعه ؛ لأنك لو رفعته كنت عاطفا له على الشأن ، وليس عمرو بشريك للشأن ولا أردت أن تجمع بينهما فحمل الكلام على المعنى ، فجعل ما شأنك ومالك بمنزلة ما تصنع فصار كأنك قلت ما صنعت وزيدا ، (قال الشاعر :
فما لك والتلدّد حول نجد |
|
وقد غصّت تهامة بالرّجال (٢) |
وقال الآخر :
فما لكم والفرط لا تقربونه |
|
وقد خلته أدنى مردّ لعاقل (٣) |
__________________
(١) البيت سبق تخريجه.
(٢) البيت لمسكين الدارمي : ديوانه ٦٦ ورواية الديوان :
أتوعدني وأنت بذات عرق |
|
وقد غصت تهامة بالرجال |
خزانة الأدب ٣ : ١٤٢.
(٣) البيت ينسب إلى : عبد مناف بن ربع الجربيّ الهذلي.
شرح أشعار الهذليين ٢ : ٦٨٦.