قال أبو سعيد : اعترض أبو العباس على سيبويه في قوله ، و (لكنّ) المثقلة في جميع الكلام بمنزلة (إنّ) فقال نحن ندخل اللام في خبر (إنّ) ولا ندخلها في خبر (لكن) لا تقول لكن زيدا لقائم ، كما تقول إنّ زيدا لقائم ، والذي أراده سيبويه أن (لكن) بمنزلة (إن) في العطف الذي ساق الكلام عليه. وسياقه للكلام يدل على إرادته ، وإنما لم تدخل اللام على (لكن) ؛ لأنها لاستدراك شيء مما قبلها ، ولا تقع في أول الكلام و (إنّ) تدخل في أول الكلام ، واللام تقدر قبلها ، فخالفت (لكنّ) (إنّ) في دخول اللام لهذا المعنى ، ومما يتضمنه الظرف من الضمير الذي يؤكد ب (كلهم) و (أجمعين) شيء مفهوم وقد ذكرناه في مواضع ؛ لأن في الظرف معنى استقر الذي هو فعله ونفسه ، إذا كان توكيدا للاسم الظاهر المنصوب فهو جيد لا يحتاج إلى غيرها ، وإذا كان توكيدا للضمير المرفوع فهو يحتاج إلى تقدمة ضمير قبل النفس ، كقولك إنّ زيدا فيها نفسه ، وأما بيت جرير فالشاهد فيه رفع المكرمات وسادة أطهار ، على أن زيدا فيها وعمرو.
قال : " واعلم أنّ لعل وكأن وليت كلهن يجوز فيهن جميع ما جاء في (إنّ) إلا أنه لا يرفع بعدهن شيء على الابتداء ، ومن ثم اختار للناس : ليت زيدا منطلق وعمرا ، وضعف عندهم أن يحملوا عمرا على المضمر حتى يقولوا هو ، ولم تكن (ليت) واجبة ولا (لعل) ولا (كأن) فقبح عندهم أن يدخلوا الكلام الواجب في موضع التمني ، فيصيروا قد ضموا إلى الأول ما ليس على معناه و (لكنّ) بمنزلة (إنّ) وتقول إنّ زيدا فيها لا بل عمرو ، وإن شئت نصبت. و (لا بل) تجري مجرى (الواو) و (لا) ".
قال أبو سعيد : حمل المعطوف على هذه الحروف على الابتداء يغير المعنى الذي أحدثته هذه الحروف من التمني والتشبيه والترجي ؛ فلذلك لم يحملوه على الابتداء ، ألا ترى أنّا لو قلنا ليت زيدا منطلق وعمرو مقيم على عطف جملة على جملة كان عمرو مقيم خارجا عن التمني ، ولك أن تعطف الاسم على الضمير الذي في الخبر إذا أكّدته إذ كان ما بعده عوضا من التأكيد ، ولا نخرج عن معنى الأول ؛ كقولك ليت زيدا خارج هو وعمرو.
هذا باب تستوي فيه هذه الحروف الخمسة
وذلك قولك إنّ زيدا منطلق العاقل اللبيب ، فالعاقل اللبيب يرتفع على وجهين ؛ على الاسم المضمر في منطلق ، كأنه بدل منه ، فيصير كقولك مررت به زيد ، إذا أردت جواب بمن مررت ، فكأنه قيل له من ينطلق فقال زيد ، وإن شاء رفعه على