التي بعدها ، ولم يورد الزجّاج هذا على نفسه ، ولعل المجيب عنه يقول : إن ألف الاستفهام لمّا كانت طالبة للفعل وفي الجملة تقدير فعل قدّم ، وفي ذلك نظر والله الموفق.
هذا باب ما يكون المصدر فيه توكيدا لنفسه نصبا
(وذلك قولك : له عليّ ألف درهم عرفا ، ومثل ذلك قول الشاعر وهو الأحوص :
أصبحت أمنحك الصدود وإنّني |
|
قسما إليك مع الصدود لأميل (١) |
وإنما صار توكيدا لنفسه ؛ لأنه حين قال : له عليّ فقد أقرّ واعترف ، وحين قال : لأميل ، علم أنه قد حلف ولكنّه قال عرفا وقسما توكيدا ، كما أنه إذا قال : سير عليه ؛ فقد علم أنه كان" سير : ثم قال : سيرا توكيدا).
قال أبو سعيد : الفرق بين هذا الباب والباب الذي قبله في جعله الباب الأول توكيدا لما قبله ، وجعله هذا الباب توكيدا لنفسه أن الباب الأول إذا قال : هذا عبد الله حقّا ، أنّ قوله : هذا عبد الله من قبل أن تذكر حقّا يجوز أن يظنّ أن ما قاله حقّ وأن يظن أن ما قاله باطل فتأتي ب (حقّا) لتجعل الجملة مقصورة على أحد الوجهين المحتملين عند السامعين ، وقوله : له عليّ ألف درهم اعتراف حقا كان أو باطلا فصار هذا تأكيدا لنفسه ، لأنه توكيد اعترف الذي هو معنى الكلام الظاهر هو لفظ اختصاص جعل الآخر عامّا ، وإنما قال قسما ؛ لأن التقدير : وإنني إليك مع الصدود لأميل ، ظاهر هذا قسم كما أن ظاهر" له عليّ ألف درهم" اعتراف ، فتدخل الألف واللام في هذا التوكيد كدخولهما في هذه المصادر المتمكنة التي تكون بدلا من اللفظ بالفعل كدخولهما في الأمر نحو : الضّرب زيدا ، والنهي نحو" الحذر" كقولك : إنما أنت السير السير ، والاستفهام كقولك : القيام وقد قعد الناس؟ (وتجوز إضافة المصدر المؤكد فى هذا الباب ، والإضافة فيه بمنزلة الألف واللام ؛ كقوله تعالى : (وَتَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللهِ)(٢)) الشاهد فيه : صنع الله ، لأن ما قبله صنع لله في الحقيقة ، وكذلك قوله : (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللهِ لا يُخْلِفُ اللهُ
__________________
(١) ديوانه : ١٦٦ ؛ الأغاني ٢١ : ١٠٨ ؛ خزانة الأدب ٨ : ١٧٧ ، ٩ : ١٦٢.
(٢) سورة النمل ، الآية : ٨٨.