المتأخر ، فكان من حجة سيبويه في ذلك أنا إذا أدخلنا إنّ ، نصبنا الاسم وإن كان قبله ظرف كقولنا : في الدار زيدا.
فلو كان في الدار يرفع زيدا قبل دخول إنّ لما غيرتها إنّ عن العمل. كما أنّا لو قلنا : إن يقوم زيدا ، لم يجز أن تبطل عمل (يقوم) ، بل يقال : إن يقوم زيد ، على معنى إنه يقوم زيد ، كذلك : إن في الدار زيد ، على معنى : أنه في الدار زيد.
فلّما كانت العرب تنصب ذلك مع تقديم الظروف ، علمنا أن ارتفاعه بالابتداء ، وهذا في القرآن وسائر الكلام أكثر من أن يحصى ، قال الله تعالى : (إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَجَحِيماً)(١) ، و (إِنَّ لَنا لَأَجْراً)(٢) ، وما أشبهه.
ومما يدل على بطلان ما قالوه ، إجماعهم على جواز : في داره زيد ، فإن كان زيد مرفوعا بالظرف فلا يجوز إضماره قبل الذكر ، وليس النية التأخير وإنما يجوّز سيبويه وأصحابه : في داره زيد ، لأن النية :
زيد في داره ، فإن قلت : في الدار زيد قائم ، وعندك عمرو مقيم ، فلك في الظرف وجهان :
أحدهما : أن تجعله خبرا للاسم وتنصب الصفة على الحال ، فتقول : في الدار زيد قائما ، وعندك عمرو مقيما ، ويكون العامل الناصب لعند استقر المقدّر وناب عند : عن استقر ، والعامل في الحال هو الظرف النائب عن استقر.
والوجه الآخر : أن تجعل خبر الاسم الصفة وترفعها ، وتجعل العامل في الظرف الصفة ، كقولك : عندك عمرو مقيم ، الناصب ل (عند) هو مقيم ، وإنما تضمر استقر إذا كان الظرف في موضع الخبر أو الصفة أو الحال ، فأمّا الخبر فقولك : زيد خلفك ، وخلفك زيد ، وكان زيد خلفك ، وأنّ زيدا خلفك.
والصفة : مررت برجل عندك ، والحال : مررت بزيد عندك.
وسيبويه يسمي الظرف إذا لم يكن خبرا ملغى لأنّه يتم الكلام بإلغائه وإسقاطه ، وذلك قوله :
__________________
(١) سورة المزمل ، الآية : ١٢.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١١٣.