بين الثاني والأول مهلة.
ولذلك قال سيبويه :
(مررت برجل أو امرأة أشركت بينهما أو في الإعراب ، وأثبت المرور لأحدهما دون الآخر).
وأما (لا) فهي تنفي عن الثاني ما وجب للأول ، كقولك : مررت برجل لا امرأة أوجبت المرور للأول ، ونفيته عن الثاني ، وفصلت بينهما عند من التبسا عليه ، فلم يدر بأيهما مررت.
وهذه الحروف لازمة للعطف ، وقد استعمل غيرها في العطف مما ليس بلازم كلزومها ، وقد ذكر في موضعه.
وقد جاء بعض هذه الحروف على غير الوضع الذي ذكرناه في الظاهر وفيه تأويل يرده إلى أصله ، وخلاف بين الناس.
قال الله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا)(١) ، فقال قائل :
كيف يحيى الناس بعد الهلاك على موضع الفاء من اتصال الثاني بالأول ومجيئه بعده؟
فالجواب : أن دخول الفاء في هذا الموضع ونحوه ، يجري مجرى الفاء في جواب الشرط ، وجواب الشرط قد يكون متأخرا في الكلام ومتقدما في العامل ، كقول القائل :
من يظهر منه الفعل المحكم فهو عالم به ، ومن يقتصد في نفقته فهو عاقل.
ومعلوم أن العلم بالفعل المحكم قبل ظهوره ، وعقل المقتصد قبل الاقتصاد ، وإنما تقدير ذلك من يظهر منه الفعل المحكم فيحكم له أنه عالم به.
وكذلك لو جعلناه خبرا فقلنا : زيد فقد ظهر منه الفعل المحكم ، فهو عالم به أو فهو محكوم له بالعلم بعد ظهور ذلك ، فكذلك قوله تعالى : (فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً)(٢) ، أي لما أهلكها الله تعالى ، حكم بأن البأس جاءها بياتا أو بالنهار ونحو هذا في القرآن والكلام.
قال الله تعالى : (فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللهِ)(٣) والخطاب لليهود بعد قتل أسلافهم
__________________
(١) سورة الأعراف ، الآية : ٤.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ٤.
(٣) سورة البقرة ، الآية : ٩١.