بمنزلة عامل آخر.
فإذا كان الفعل المعطوف عليه يقتضي فاعلين مثل : اختصم ونحوه ، لم يجز أن يعطف عليه بالفاء اسما مفردا ، لأنه لا يكون من واحد ، ويجوز بالواو لأنها تشرك الواحد مع من تقدمه.
واعلم أن حروف العطف عملها الاشتراك بين الثاني والأول في الإعراب.
وتختلف معانيها ، فأمّا الواو : فإنها مع إشراكها بينهما في الإعراب تشرك بينهما في المعنى حتى يكون الثاني داخلا فيما دخل الأول فيه من المعنى المذكور للأول في الجمع والتفريق.
فالجمع : مررت بزيد وعمرو ، وقد مررت بأحدهما في وقت ، وانقطع مرورك ثم مررت بالآخر بعد حين.
وهذا الذي يسميه سيبويه : (مرورين).
وأجمع النحويون واللغويون من البصريين والكوفيين أن الواو لا توجب تقدم ، وما تقدم لفظه.
قال الله تعالى في قصة واحدة في البقرة :
(وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ)(١).
وقال في الأعراف :
(وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً)(٢) فأما الفاء فإنها وضعت للاتصال ، ودخول الثاني فيما دخل فيه الأول متصلة به ، كقولك : ضربت زيدا فبكى ، وأعطيته فاستغنى وضربت زيدا فعمرا ، ودخلت الكوفة فالبصرة.
فالثاني بعد الأول وهو متصل به ، وداخل في معناه ، فزيد داخل في الضرب ، والبصرة داخلة في الدخول مثل الكوفة ، ومعنى ذلك : أنه لم يقطع سيره الذي دخل به الكوفة حتى وصله بالسير الذي دخل به البصرة ، لم تحدث بينهما مهلة ولا فتور.
وأمّا (ثم) فسبيلها سبيل الفاء في أن الثاني داخل في معنى الأول ، وأنه بعده إلا أن
__________________
(١) سورة البقرة ، الآية : ٥٨.
(٢) سورة الأعراف ، الآية : ١٦١.